كتابان في الأعلام السعوديين(عن الشيخ ابن بليهد) ~ مدونة الخوالـــــــد

كتابان في الأعلام السعوديين(عن الشيخ ابن بليهد)

د. عبدالله بن إبراهيم العسكر جريدة الرياض
    وبين يدي اليوم كتابان: الأول عنوانه: أعلام بلا إعلام للأخ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، الجزء الأول صدر في الرياض 1428ه وفي الكتاب ترجمة لثلاثة وأربعين شخصية عامة، منهم المتوفى ومنهم من لا يزال بيننا، رحم الله الأولين، وأطال عمر الآخرين، والكتاب الثاني: عنوانه الشيخ عبدالله آل بليهد من أعلام حائل، والكتاب من تأليف: سعد العفنان وعبدالعزيز البليهد، وصدر سنة 1425ه .



* شهدت الساحة الثقافية السعودية في السنوات الأخيرة كثرة الكتب التي تتحدث عن الأعلام المجهولة أو المعروفة، ولا مشاحة في هذا الصنيع طالما التزمت بالصدق وعدم المبالغة. ولا أعدو الحقيقة عندما أقول: إننا في حاجة إلى كل معلومة تخص نفرا عملوا وأثروا فيمن حولهم ناهيك أن دراسة الأعلام والترجمة لهم تعتبر عملاً مكملاً لحلقات تاريخ هذه البلاد، وهي حلقات ليس من السهل استكمالها، وبين يدي اليوم كتابان: الأول عنوانه: أعلام بلا إعلام للأخ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، الجزء الأول صدر في الرياض 1428ه وفي الكتاب ترجمة لثلاثة وأربعين شخصية عامة، منهم المتوفى ومنهم من لا يزال بيننا، رحم الله الأولين، وأطال عمر الآخرين، والكتاب الثاني: عنوانه الشيخ عبدالله آل بليهد من أعلام حائل، والكتاب من تأليف: سعد العفنان وعبدالعزيز البليهد، وصدر سنة 1425ه .

الدكتور عبدالرحمن الشبيلي لا يحتاج إلى إعلام، فهو بطبعه وتخصصه إعلام قائم بذاته، ومما التفت اليه الدكتور أخيرا الانكباب على تراجم الأعلام، وهو يكتب من وجهة نظر إعلامية صرفة، وهو يقيم للتاريخ وزناً، ولكنه لا يستغرقه، فالتاريخ عنده علم مساعد من علوم كثيرة يحتاج اليها الإعلامي المتمرس، من هذا القبيل صدر له عدة كتب منها: صالح العبدالله الشبيلي: حياته وشعره، ومحمد الحمد الشبيلي، ومحمد بن جبير، وحمد الجاسر، ومساعد بن عبدالرحمن، وخالد بن أحمد السديري ويلاحظ هنا أنه ترجم لأعلام، ولكنهم يفتقدون إعلاما موضوعيا، على أن الأمر يتعدى الترجمة الذاتية للشخص، اذا عرفنا أن بعض هذه الكتب كانت في الأصل مقابلات تلفزيونية تمت بين الدكتور الشبيلي وضيوفه، وقد حولها بقدرة مهنية عالية إلى كتاب يقرأه الناس، وبعضها مقالات نشرها في صحف سيارة ثم جمعها في كتاب.

ويأتي هذا الكتاب وقد سلخ مؤلفه من عمره سنوات يمارس كتابة التراجم، وهو يقول أنه لم يكن له معرفة بهذا النوع من الكتابة قبل عام 1414ه، لكنني أميل إلى أن له تجربة هي في صميم الترجمة، وإن لم تكن عن طريق التأليف فقد كان الدكتور الشبيلي، يعد ويقدم برنامجا في التلفزيون السعودي منذ عام 1396ه عن بعض الأعلام الذين لهم مشاركات وطنية، وكانت حلقات ذلك البرنامج تعد ترجمة من نوع جديد، وهو إذ يستضيف ضيوفه، يقوم على تحفيز الذاكرة الشخصية للضيف، ويستخرج منها ذكريات ولا أجمل.

والدكتور الشبيلي يعترف أن قمة العمل في فن التراجم الشخصية جاءت مع كتاب: محمد الحمد الشبيلي، وهو قول قد نختلف معه، لأننا نجد له قمما أخرى مبثوثة هنا وهناك المصطلح الجاري، والا لقلت الطبقات، تشعر وأنت تقرأ لبعض تراجمه أنه متأثر بفن كتابة الطبقات عند المسلمين، وهذا موضوع قد أتطرق له في قابل أيامي، ومع هذا فإن السمة البارزة في كتابات الشبيلي للتراجم الدقة والاختصار ما أمكن له أن يختصر، وإنك لتشعر أن نفسه قصير، وما هو بقصير، ولكن حب الاختصار سمة من سماته، حتى في كلامه تجد يتكلم وكأنه يقرأ في ورقة مكتوبة بأسلوبه، أما الدقة فكل مترجماته مرت بحقبتين من التأليف والإعداد، وهو لا يكتفي بهذا فمسودات مؤلفاته متعددة، وهو لا يستنكف ان يعطي زملاءه بعض مسوداته من أجل المراجعة.

والكتاب الثاني عن الشيخ ابن بليهد: عبدالله بن سليمان بن سعود بن سالم بن محمد بن بليهد من بني خالد، وهم قوم من عامر بن صعصعة من هوازن العدنانية، وأسرة آل بليهد أسرة علم، اشتغل بعض أعلامها في وظائف دينية كالإمامة والخطابة والقضاء، ومنهم: الشيخ عبدالرحمن بن بليهد المتوفى ببلد القرائن سنة 1090ه - ومنهم: سعود بن بليهد قاضي السياح في عصر الأمير تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية، ومنهم: محمد بن عبدالله بن بليهد الشاعر والمؤرخ صاحب كتاب البلدانيات المشهور: صحيح الأخبار، وهو معاصر لصاحب هذه الترجمة وقد رثاه بعد وفاته. 

ومن الأعمال المشهورة التي تقلدها بعض رجالات هذه الأسرة المنجبة خفارة قافلة حجاج الاحساء ومن يأتي معهم من حجاج الشرق، هذا كان في أواخر القرن التاسع الهجري ويظهر أن أسرة آل بليهد تفرقت من بلد القصب إلى نواح متعددة، والهجرة وراء طلب الرزق أو البعد عن احتكاكات قبلية وعشائرية كانت سمة من سمات تاريخ نجد، يقول شاعر عودة سدير المشهور أبو دباس مخاطبا ابنه المهاجر من العودة الى عمان:
يا دباس ما يصبر على البق والحاس*** إلا الذي ما له بنجد عشيره 

ولد الشيخ عبدالله بن بليهد عام 1284ه في بلدة القرعاء الواقعة شمال مدينة بريدة، ورد في بعض الروايات الشفاهية ان الشيخ عبدالله كان نابغة، مهتم بالأدب وعلوم الدين وحفظ غرر الشعر العربي والشعبي، وكان في صباه طالب مجد، طلب العلم الشرعي وعلوم اللغة على والده، وعلى بعض علماء القصيم في بريدة والمذنب خصوصا على يد: محمد بن دخيل ومحمد بن عبدالله بن سليم وصالح بن قرناس وعبدالله بن مفدى، ثم رحل إلى الهند لمزيد من العلم والاستشفاء، وبعد رجوعه تولى عمل التدريس في البكيرية والرس ورياض الخبراء، حدث هذا في حدود عام 1333ه وبعد ذلك انتقل الى الرياض ولزم حلقة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف والشيخ سعد بن عتيق والشيخ حمد بن فارس. 

ولعل العمل الذي اشتهر به وطارت به الأخبار عندما ولاه الملك عبدالعزيز رحمه الله القضاء في حائل في أواخر سنة 1341ه وقد برز في عمله، وتوسع فيه إلى درجة أن اصبح علامة بارزة في تاريخ حائل، وأصبحت له شعبية كبيرة، وكان القوم هناك يأتون اليه مختلفين، ويخرجون منه متفقين مبتسمين، ونظرا للسمعة التي حازها في حائل، وللعلم النظري والعملي الذي توفر له، فقد رشحه الملك عبدالعزيز لتولي منصب رئاسة القضاء في مكة سنة 1344ه وهو منصب كبير لا شك في ذلك. 

وفي تاريخ علي بن محمد الهندي المخطوط ورد أن أهالي حائل أرسلوا للملك عبدالعزيز من يمثلهم طالبين بعودة قاضيهم الشيخ عبدالله بن بليهد، وهذا ما حدث بالفعل فقد عاد الشيخ عبدالله لبلد أحبه كثيرا، وبادله أهلها بالحب والاحترام، كان الشيخ عبدالله الى جانب عمله في القضاء، يقوم بالتدريس في جامع برزان، وكان الى جانب ذلك له اهتمامات بعلوم جديدة، يستقيها من المرتحلين الذين يفدون الى حائل من أمثال: محمد أمين التميمي الذي زار حائل سنة 1345ه وأقام في منزل الشيخ عبدالله خمسة عشر يوما، والرحالة النمساوي المسلم محمد أسد الذي كتب عنه معتزا بصداقته وعلمه، ومثل خير الدين الزركلي صاحب الأعلام الذي كتب ترجمة وافية له، اما محمد حسين هيكل فقد وصف الشيخ عبدالله بعالم نجد، حسب ما ورد في كتابه: في منزل الوحي. 

ما الأمر الذي جعل هؤلاء الأعلام وغيرهم يجمعون على تعلية الشيخ عبدالله يبدو أن الشيخ عبدالله جمع إلى جانب العلم الشرعي ثقافة دينية وحياتية واسعتين، جعلتاه يتصف بصفة الحكمة، التي هي ضالة المؤمن، لكن أمرا آخر أجمع عليه من عرف الشيخ عبدالله وهو انفتاحه وقبوله للآخر، أياً يكن هذا الآخر، فهو سمح المعشر، لين العريكة، واسع المعرفة، يقبل الرأي وعكسه، وهو خصم عنيد للتطرف والتشدد والانغلاق، وهو لا يقبل العلوم الحديثة فقط، بل يشجع الناس على استعمالها والتوسع فيها، ويقبل النظريات الحديثة ما دام أنها لا تتعارض مع أصول الدين وأركانه، وصفه محمد حسين هيكل بعد لقائه في مكة بأنه مجدد حديث لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهذا القول في حد ذاته يحتاج لوقفة طويلة. 

الكتاب شيق وماتع جاء في أثني عشر فصلاً توزعت على 189صفحة من القطع المتوسط وقد بذل فيه مؤلفاه الجهد الواضح، ووثقاه بمصورات من وثائق محلية، وهما يسندان كل معلومة إلى مصدر مدون او مخطوط، وأنا أدعو القارىء لقراءة الكتابين فهما من مكملات سلاسل تاريخ المملكة الحديث.
نقلة علي المحيميد
المصدر جريدة الرياض على هـــــــــذا الرابــــــــــــــــــط

0 التعليقات: