نبذة عن: رماح والحفر في كتب الجغرافيا والتاريخ ~ مدونة الخوالـــــــد

نبذة عن: رماح والحفر في كتب الجغرافيا والتاريخ


عبيد بن محمد ابن فلاح أبو ثنين


عبيد بن محمد ابن فلاح أبو ثنين
    الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين..
فهذه لمحة عن رماح والحفر من حيث ذكرهما في كتب المواضع وأشعار المتقدمين وشيئاً من تاريخهما قبل النهضة الحديثة.

أولاً: رماح
أصل التسمية : من الرمح لماورد عن الأزهري أنها نقيان طوال وعن الهمداني أنها أكثبة طوال حداد فكانت تسميتها مأخوذة من الرماح لطولها وحدتها في السماء. قال البكري: "قال عمارة : رماح بأرض بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بني تميم ، وهذا الذي عناه جرير بقوله :

يكلفني فؤادي من هواه*** ظعائن يجتزعن علا رماح،...الخ(1)" 

وهذا نص قديم يرجح القول أن رماح هو المقصود في بيت جرير هذا لأن مسمى رماح كثير في بلاد العرب،ونص الهمداني بأن رماح من ديار تميم (2). وقال كذلك : وأرماح أكثبة طوال حداد،ولوى رماح أسفل منهن كل ذلك من الدهناء(3)، قال الجاسر: "قال الأزهري في التهذيب :وبالدهناء نقيان طوال يقال لها الأرماح.انتهى.ولم يذكره ياقوت في موضعه من معجم البلدان"(4) وقال : "رماح سيأتي في رسم رمان" ثم قال كذلك : والرمانتان بقرب العتك في العرمة(5) أ.ه.

ربما أراد الجاسر أن ينفي اشتهارهما سابقاً بمسمى رماح وربما يلمح أن الرمانتين هما رماح والرمحية ،ولاشك أن عبارة الهمداني والأزهري واضحة أنه من الدهناء ،سيما أنهما قد مرا بقربه.والذي يشكل على المتأمل في كلام المتقدمين وصفهم رماح أنها نقيان في الدهناء ، والمشتهر حالياً أنها آبار في حد العرمة من الدهناء. ولعل آبار رماح الحالية ضمن شباك العرمة التي ذكرها الهمداني حيث يقول: (فأول ماء ترده من العرمة عن يسارك قلت هبل وهي تنكش وتعضب سريعاً ،ومن عن يمينك قلات يقال لها النظيم نظيم الجفنة ،ومن عن يمين ذلك على ميسرة الشباك شباك العرمة والغرابات)(6).
وقال البكري:قال الأصمعي :إذا كثرت الآبار في أرض فهي شبكة(7)، قال ذو الرمة :
كأن نعاج الرمل تحت خدورها*** بوهبين أو أرطى رماح مقيلها(8)
يدلنا أن رماح بالدهناء فالأرطى من شجر الدهناء.

ووهبين وسط الدهناء(9)، وقال الهمداني:ورمل وهبين عن يمين الحفرين لعامد إلى الصمان(10) قال جبر بن سيار مخاطباً رشيدان :
يمينك البكرات ورماح النقا*** خلف وخزه والفقي من يسارها(11) 

والبكرات سماها الخميس ب الهضبات وهي اسفل وادي العارض(12)
قوله ورماح النقا دلالة على شهرة نقيان رماح وربما أراد ابن سيار التفريق بينها وبين موضع آخر بنفس المسمى.

وعن النظيم الذي ذكره الهمداني يقول الشيخ الخميس: "والنظيم اسم لكل قلات منتظمة في مجاري الأودية بظهور الجبال ومنحدراتها نحو السهول ،فكل ماكان كذلك فهو النظيم.. ويتعين كل نظيم بإضافته إلى جهته ،وهي ب(اليمامة)كثيرة :فهناك(نظيم الجفنة) ب (العرمة)..."(13).
ولعل أصل التسمية وقعت على النقيان (الكثبان الرملية العالية)ومن ثم انسحب الاسم على الآبار بقربها.

ثانياً:حفر العتك (حفر بني سعد)
العتك وادٍ قال ياقوت عن نصر:(العتك وادٍ باليمامة في ديار بني عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة من تميم....)(14). وقسمه البليهد إلى واديين قال :(وهو قاسم جبل اليمامة نصفين يبتدئ من بلد القصب وينتهي قريب خزة ،والعتك الثاني من غربي العرمة الشمالي ،وينتهي شرقيها الشمالي...) واستشهد الشيخ البليهد أن العرب تجمعها لقول زهير :
عوم السفين فلما حال دونهم***فند القريات فالعتكان فالكرم..الخ(15)
وقد نص الهمداني على أن الحفرين هما حفر الرمانتين وهن من مياه العرمة(16)، وقال الهمداني أيضا:ومن الدهناء الوحيد نقا منقطع مشرف على حفري بني سعد(17). ومما سبق من كلام الهمداني نلمح ملمحاً لطيفاً بأن الحفرين متقاربان وربما يقال إن مسمى الوحيد يوحي أنه متحد عن غيره من النقيان.

رماح والحفر عبر التاريخ
لاشك أن رماح والحفر اتخذت مكانة مهمة في نظر حكام الدولة السعودية فقد سجلت احداث حولها وذلك لعدة أسباب منها
  • 1- اهميتها كونها على بوابة الدهناء للمتجه نحو البصرة والأحساء أو القادم منهما (فهو ممر للجمال التي تحمل التمر والغذاء الحيوي في الجزيرة)(18).
  • 2- (وهي منطقة مهمة لأنها مكان استراحة القوافل التي تقطع المسافة الطويلة بين البصرة ومكة المكرمة)(19).
  • 3- كثرة الآبار التي حولها.
ولكن شهرة رماح الحالية يبدو أنها فاقت شهرة الحفر بعد عام 1244ه وذلك بعد حادثة دفن آبار الحفر(20) وسيأتي سبب دفنها لاحقا.
ومما يذكر فقد سجلت عبر التاريخ السعودي عدة وقعات :
عام 1157ه اخذوا الظفير قوافل عنزة على رماح وقتل منهم عدة رجال (21).
عام 1174ه قاد الإمام محمد بن سعود حملة على حفر العتك(22).
عام 1179ه قاد الإمام عبدالعزيز حملة على العرمة(23).
عام 1194ه حملة سعدون بن عريعر على روضة العتك(24).
عام 1211ه نزول عبدالعزيز حفر العتك لمواجهة ثويني(25).
عام 1233ه حملة إبراهيم باشا على رماح(26).
دفن آبار حفر العتك : قال ابن بشر :وفيها بلغ تركي بن عبدالله أن بني خالد يجمعون الجنود لحربه فأمر على بن عيدان أمير سدير أن يسير برجال من أهل سدير ويدفنون قليب حفر العتك فدفنوها ودفنوا ام الجماجم فحفرها العربان بعد ذلك(27).

عام 1269ه و1275ه حملتان على رماح قام بهما الإمام فيصل بن تركي(28).
عام 1319ه وصل الملك عبدالعزيز إلى رماح ثم أغار على بعض القبائل في عبلة سدير ثم عاد إلى حفر العتك وبنبان ورجع إلى رماح مرة أخرى ومن رماح عاد إلى الأحساء لعدم مناسبة الهجوم على الرياض في هذه اللحظة (29).

وفي الزمن الذي سبق قيام الدولة السعودية كانت رماح تعني الكثير في نظر حكام الأحساء فهي المورد العذب والهواء العليل والأرض القفر خاصة إذا نزلت الأمطار وأخصبت الارض. 

وكما تعني الكثير بالنسبة لحكام الأحساء فكذلك العكس ،فالأحساء موطن التمر الذي يتزودون منه وكانوا ينزلون فيه في فترات زمنية معينة.

وينقل الجاسر عن لويمر مكان ينزل فيه البادية في الأحساء يسمى أبوثنين(30). ومصطلح الديرة يطلق على الاحساء عند أهل المنطقة. وفي حال حصول الاضطرابات في الأحساء فإن البحرين بديل عنها كما تبينه الوثيقة التي تتحدث عن تمون ابوثنين من البحرين(31)، لأن ولاة الأتراك كانوا يطالبون زعماء القبائل بالجمال لحرب خصومهم ،والمرجح أنه ترك الأحساء لهذا كما نلمحه من الوثيقة.
وخلال مطالعتي للتواريخ المطبوعة لم اقف على نهب او قتل قامت به قبيلة سبيع للحجاج الذين يمرون ب رماح والحفر.وقد صادف سادلير حجاجاً من بلاد فارس على رماح(32)، وهناك بعض مسالك الحج التي تمر بالدهناء فقد ذكر الحربي طريق زري يتجه إلى اليمامة ويمر بالدهناء(33).
ويذكر البسام خبراً عام 938ه مفاده وقوع معركة بين عنزة وبين الأعزة من سبيع (34).
عام 1090ه غزا براك بن عريعر شيخ الأحساء والقطيف وصبح السهول على رماح وأخذهم(35).
عام 1097ه اخذ محمد آل حارث آل كثير على الحفر(36).
عام 855ه غزا زامل بن جبر على الفضول على حفر العتك وأخذهم(37).
وفي الدولة الجبرية العقيلية وقد شملت أنحاء شاسعة من الجزيرة العربية وكانت على قدر من القوة والمنعة إذ أمنت في عهد ملوكها الظعائن والقوافل وهذا المعنى أشار اليه الشاعر ابوظاهر وهو يمدح أجود يقول :
وهو حامي الظعائن يوم تقفي***شديد الباس في يوم الزحامي
حمى حمر الهوادج يوم تقفي***سواكنها تفرفش كالزحامي
ويقول:
تعلى بالشجاعة عقيل طبقا***وأصخاها وأوفاها ذمامي(38)
يقول ابن زيد مادحاً اجود بن زامل العقيلي:
سريع القرى عيد المقاوى الى ضوو***على رخص بقعا او عسر سوقها
يحل بها الدهناء إذا جادها الحيا***والحسا لاطاب الجنا في عذوقها(39)
ويقول في قصيدة اخرى :
ارى الحب بالهجران يمحا ويمحي***وحبي لحسنا طول الأيام عالق
إلى أن يقول :
ومن يشرب الما من"رماح" ويعتفي***حجنات الأيدي واللقاح العذايق(40)
ويقول الصويان معلقاً على أبيات ابن زيد "وربما يستدل من ذلك أن الجبريين في ذلك الوقت لم تنقطع صلتهم بالبداوة والصحراء وحياة الرعي ،فهو يقول في آخر القصيدة إن اجود يشتو الدهناء ولا يذهب إلى الأحساء إلا وقت الثمر. وهذا ما كانت عليه حال بعض قبائل البدو حتى عهد قريب، وهو ما يسمونه المحضار والفعل يحضرون.انتهى(41)، ودولة الجبريين قد اتسعت وقد أشار إلى هذا النفجان نقلاً عن وثيقة برتغالية :وبلاد هؤلاء الأخوة الثلاثة أبناء اجود بن زامل قد امتدت من هنا حتى عدن أما باتجاه الشمال فإنها تمتد محاذاة سواحل بحر فارس ثم تنعطف لتصل جوار مكة(42)، وهناك بيت شعبي قديم يعضد هذا إذ يقول عثمان بن نحيط :
وشيوخ الاجود وينهم عقب ماملكوا***هجر مع الخط والبصرة وبلاد بعيدات(43) 

غير أن عبارة ابن فضل الله العمري وهو من أهل القرن الثامن توحي للقارئ لأول وهلة أن رماح يوماً من الأيام قرية بها سكانها من بني عائذ بن سعيد إذ يقول :عائذ بني سعد (سعيد)(44): دارهم من حرمة إلى جلاجل، والتويب ووادي القرى....ثم يقول :ويعرف بالعارض ورماح والحفر(45).

ويعضد هذا ما ذكره ابن عيسى عن حرمة أنها مياه وآثار منازل ، قد تعطلت ، من منازل بني عايذ بن سعيد(46)، ويذكر ابن فضل الله العمري أن شيخهم يقال له محمد العليمي(47) ولاشك أن المنطقة واقعة تحت نفوذ الدولة العيونية والتي قامت عام 469ه وانتهت عام636ه.

يقول د/عبدالرحمن المديرس :كما تم للأمير عبدالله بن علي العيوني توحيد أجزاء البحرين كلها تحت حكمه،وأقام دولة قوية وطيدة الأركان تمتد حدودها من كاظمة شمالاً حتى أطراف الربع الخالي جنوباً ،ومن صحراء الدهناء غرباً حتى ساحل الخليج العربي شرقاً(48).

وينقل عن ابن سعيد أن المنطقة الواقعة بين البحرين واليمامة بأنها مجالات بني عامر ،وأنه لم يبق معهم لأحد من العرب عز في بلاد اليمامة والبحرين ،وأنه قد تحضر الكثير منهم(49).

ورماح والحفر لم يذكر ضمن مجالات بني عامر يقول الجاسر نقلاً عن ابن فضل الله العمري :(ودارهم ألأحساء والقطيف وملح وأقطاع ،والقرعاء واللهابة والجود ومبالغ انتهى على مافيه من تصحيف الأسماء)(50).

0 التعليقات: