محمود بن صالح بن يونس آل محمود آل حميد(من أطباء الرياض) ~ مدونة الخوالـــــــد

محمود بن صالح بن يونس آل محمود آل حميد(من أطباء الرياض)


صالح بن محمد المحمود


محمود أبو صالح طبيب الملك عبدالعزيز وصاحب أول طاحونة للدقيق في الرياض
    عنيت المجتمعات والأمم بالتعريف بأعلامها في المجالات المتعددة التي لها مساهمة في النشاط الانسانى والعلمي وغيرهما من مناحي الحياة. ويأتي أحد هؤلاء الذين لهم مساهمات مشهودة في مدينة الرياض في منتصف القرن الرابع عشر الهجري تعددت بين ممارسة الطب وإدخال بعض الأدوات المهمة لهذه المدينة ليدون بذلك السبق المهني في مدينة نمت بخطى متسارعة حتى وصلت اليوم إلى منافستها لكبرى الواصم العالمية. وهنا تأتى هذه الشخصية التي عرفها أهل الرياض خاصة بأنة الطبيب محمود صاحب العلاجات المحكمة وأول من أسس طاحونة حديثة للبُر رحمه الله .
نسبه: هو محمود بن صالح بن يونس آل محمود آل حميد وينتهي نسبة إلى قبيلة بني خالد القرشية المخزومية رحمه الله تعالى. (المصدر مشجر قبيلة بني خالد الرسمي). أحب والدة صالح بن يونس شيخه -محمود الألوسي- من علماء العراق حبا شديدا فسمى ابنه محمودا (صاحب الترجمة) وقعت في يد صالح مخطوطة لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فاستحسنها كثيرا وذهب إلى شيخه محمود الألوسي وسأله عنها فأخبره بأن منبع هذه الدعوة هي بلاد نجد، عزم صالح بن يونس أن يهاجر إلى بلاد نجد واصطحب معه ابنه محموداً ابن الخمسة عشر ربيعا، فقُتل صالح غيلة رحمه الله وهو في طريق هجرته إلى نجد بين الكوفة والبصرة في ساحة مسجد على تلك الطريق. مولده: ولد الطبيب محمود في عام 1255ه تقريبا، عاش أكثر من مائة سنة، وتوفي رحمه الله في حياة الملك عبدالعزيز وكانت وفاته في العشرين من شهر شعبان لعام 1368ه. رحلاته: رحلته إلى نجد والكويت، كنا ذكرنا سابقا اصطحاب والده صالح رحمه الله له في رحلته الأولى إلى نجد وذكرنا بأنه حال دون إكمال هذه الرحلة تعرض والده صالح للقتل في المسجد من قبل قاطعي الطريق وحينها لم يتجاوز محمود الخامسة عشر من عمره، ذهب حينها إلى الموصل واهتم بالتعلم وعمل صبيا عند طبيب -وهذا هو أول تعلمه الطب- واشتغل بالتنقل والبحث وطلب العلم حتى صار عمره 25عاما تقريبا، فأتقن رحمه الله الطب وزوجه هذا الطبيب ابنته، لكنه رحمه الله كان دينا ورعا ولم يرض عن هذا الطبيب فطلق ابنته، وذات يوم جاء العقيلات -وهم رجال من أهل القصيم يرتحلون كثيرا من بلد لبلد في التجارة وطلب الرزق- فسألهم إلى أين هم ذاهبون؟ فأخبروه إلى عنيزه، فركب معهم ورافقهم وكان طريقهم مارا بالكويت فتركهم واستقام عند الإمام عبدالرحمن الفيصل معلما للقرآن مدة من الزمن، فالتقى هناك بابن سليمان وخاله ابن حمدان وهما من أهالي عنيزه فعرضا عليه مرافقتهم إلى عنيزه وفعلا وافق وانتقل معهما إلى هناك، فمكث فترة بعنيزه ثم قرر الذهاب لمكة. وفيها وشي به بعضهم إلى شريف مكة، بأن هناك رجلا وهابيا يدرس الناس الوهابية وأوغروا صدر الشريف عليه فطلبه ليقتله، فأتى إبراهيم الجفالي وهو من أهالي عنيزه إلى محمود وقال له: اخرج يا محمود، فالشريف يطلبك ليقتلك، وفعلا خرج محمود متخفيا إلى مدينة الخرمة، والتقى بأميرها خالد بن لوي الشريف، فاستشاره ابن لوي بين الانضمام لعبدالعزيز أو البقاء مع الشريف فأشار عليه بالانضمام للإمام عبدالعزيز. ثم قام برحلته إلى الرياض، في عام 1333ه انتقل محمود إلى الرياض واستقر بها. وكان يقوم بكثير من الرحلات القصيرة من نجد إلى الكويت وإلى غيرها من البلدان، وذلك لغرض اقتناء الأعشاب والأدوية التي يحتاجها في مهنته التي هي تطبيب الناس.
مكانته: كان رحمه الله له مكانة اجتماعية عند عامة الناس وله مكانة مرموقة عند المسئولين والحكام، وقد حفظ محمود القرآن في مقتبل عمره وبعد هجرته إلى نجد استمر رحمه الله في الطلب خصوصا في بريده وعنيزه، اهتم بطلب العلم ولازم الشيخ عمر بن سليم والشيخ عبدالمحسن الزامل وأخذ من علمهما، شارك رحمه الله تعالى بتدريس القرآن الكريم سنوات في بريده وعنيزه، كذلك كان في تقدير الشجاج مرجعا للقضاة في المحكمة الشرعية وهناك مراسلات كثيرة بينه وبين المشايخ والقضاة في وقتهم.

مكانته العلمية الطبية: لقد برع رحمه الله بمعرفة النبض وعلامات البول الدليل على الأوجاع وعلم الجراحات والخلع وكسور العظام والجبر وغير ذلك من أنواع العمل باليد والأمراض بأنواعها مع الاهتمام بحال المرضى واختلاف أمزجتهم حرارة وبرودة وعلاجاتها فالعلاج الذي يصلح مع بعض تلك الأمراض قد لا يصلح بل يضر مع الآخر، كذلك معرفة العلاجات وأنواعها ومقاديرها وتصنيفها والنافع والضار والجيد والأجود حسب أوصافها وألوانها وبلدانها وغير ذلك، كذلك برع رحمه الله بتحضير الزيوت والمطهرات واستخراجها من أعشابها كذلك العصارات والدهونات وتراكيبها النافعة للجروح والحروق وسائر الأمراض الجلدية، واهتم باقتناء ما ليس بحوزته من الدهونات واللصوقات والسلنجات والإبر الطبية التي يحتاجها في التطبيب والخيوط الطبية التي يحتاجها في خياطة العمليات الجراحية، كذلك برع رحمه الله بمعرفة علم مهم علم (الفصد) وهو استخراج الدم من الأوردة والعروق المسببة للألم والأوجاع والأمراض، وهذا من أدق العلوم وأخطرها لا يجيده من الحكماء إلا القلة المهرة، كان له اهتمامات بالأمراض المستعصية كالسرطانات وغيرها وطرق علاجها كذلك الأمراض النفسية والعقلية كالجنون وغيره وطرق علاجها كذلك كان يستخدم الحقن الوريدية لبعض الأمراض، كذلك يرى أن بعض الأمراض لابد لها من عمليات جراحية كاستئصال الأورام الغير حميدة وخصها رحمه الله بأنها التي غالبا ما تصيب أثداء النساء، كان متمكنا تمكنا عجيبا بعلاج أمراض النساء والولادة باختلافها وتنوعها، يقوم بتصحيح أوضاع الجنين عند الولادة ويعيده بطريقته الخاصة دون الإضرار بالجنين وسلامة الأم. كذلك يقوم بعمليات جراحية لسائر البدن وخبت العينين وعلاجهما وهناك شواهد ووقائع لا تحصى، كذلك كان يعالج الغرغرينا ببعض الدهونات والتراكيب العلاجية التي يعدها بنفسه ولا أشهد على ذلك من المؤلفات والتصانيف والتجارب وأوراق مذكراته الخاصة التي سطرها بمداد قلمه في هذا الفن الذي كان مجتمعه يومها بأمس الحاجة إليه مع ندرة الأطباء وقلة الإمكانات في ذلك الزمن.

 تميز بحرصه الشديد على صحة المريض، وأن الإنسان لا يستعمل من العلاجات إلا ما جُرب سابقا وكان مُتَيَقنا بأنه موافقا للمرض، و لا يتلاعب بأرواح الناس وأجسامهم، وقد حذر رحمه الله كثيرا من ذلك وذلك عند ذكره لبعض العلاجات المهلكة لأصحابها في كثير من توصياته وتعليقاته على كثير من مخطوطاته التي سطرتها تجاربه الطبية والفوائد المنتقاة من أمهات كتب الطب التي كانت بحوزته ككتاب القانون لابن سينا وكتاب دقائق العلاج في الطب البدني للحكيم محمد كريم خان الكرماني وكتاب كامل الصناعة لعلي بن موسى المجوسي وتسهيل المنافع المعروف بالملكي وغيرها من الكتب والمخطوطات والمؤلفات التي خلفها بعد موته، كانت حياته رحمه الله حافلة بالعطاء وزاخرة بالتضحيات ساهم بحق ببناء مجتمعه قبل تأسيس المملكة وبعدها حيث كان أشد حرصا واهتماما بذلك رحمه الله رحمة واسعة.

علاقته بالملك عبدالعزيز حينما كان بالرياض:
لازم الملك عبدالعزيز رحمه الله وكان طبيبا خاصا له، لازمه إلى أن توفي ملازمة السوار للمعصم فأصبح لمحمود وأولاده حضوه ومكانة عند الملك عبدالعزيز وابنيه سعود وفيصل، فكان للملك عبدالعزيز مع محمود مواقف عديدة.

 له قدم السبق في إنشاء أول مخابز وطواحين ظهرت بالمملكة، لقد كان الناس في ذلك الزمان في الرياض يطحنون القمح (بالرحا) المعروفة قديما وهي آلة قديمة تحرك باليد مصنوعة من حجرين كبيرين مستديرين يدور أحدهما على الآخر فتطحنان القمح ليصنعون الخبز، وكانوا يخبزون في منازلهم ولم يكن هناك أفران متخصصة ببيع الخبز فاستأذن محمود الملك عبدالعزيز أن يسمح له بأن يفتح دكانا ويجلب طواحين القمح من خارج المملكة وقال إن هذا سيسهل على الناس معيشتهم والدقيق الذي تنتجه الطواحين أطيب وأنعم من الدقيق الذي تنتجه (الرحا) فاستحسن الملك عبدالعزيز الفكرة وباركها ووهب لمحمود دكانا لهذا الغرض فانتدب محمود ابنه محمد وجلب الطواحين من العراق على ظهور الإبل وبدأ الناس يجدون مذاقا مختلفا في هذا النوع من الخبز فاشتهرت بينهم مقولة وهي: (خبز محمود لا شعر ولا عود)، وبدأ يمد قصر الملك والناس بالخبز والطحين الناعم. ومن قصصه الطبية: قيامه بعلاج الأمير منصور بن عبدالعزيز في رجله المكسورة حين سقط من الخيل، وتعفن جرحه فقرر أطباء الملك الذين قدموا من خارج البلاد أنه لابد من قطع رجل الأمير منصور قبل أن يسري العفن إلى سائر البدن. فاستشار الملك عبدالعزيز محمودا فقال له يا طويل العمر أنا أرى أنه لا حاجة في قطعها وأن علاجها ممكن فسر لذلك الملك عبدالعزيز ونقل الأمير منصور إلى مزرعة الملك الكائنة تحت ظهرة البديعة ومكث الأمير منصور على فراشه والطبيب محمود يطببه في مدة قاربت الستة أشهر حتى شفيت قدمه تماما ودخل الأمير منصور على والده الملك عبدالعزيز وهو يمشي على رجليه ويتكئ على عصاه، ففرح الملك عبدالعزيز بسلامة ابنه منصور فرحا شديدا وحمد الله على سلامته، ثم كافأ محمودا على ذلك بأن أعطاه وكافأه بأرض على طريق الخرج قريبة من منطقة هيت، وكذلك يدل على المكانة العالية التي حضي بها محمود وأبنائه في نفس الملك عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة. كان يرافق الملك عبدالعزيز في سفرة ورحلاته. تلامذته الذين أخذوا عنه الطب: لقد استفاد الكثيرون ممن عاصروه رحمه الله ممن لازمه في تطبيبه للناس ومما لا شك فيه أن أزواجه وأولاده هم ألصق الناس به وقد تأثروا به كثيرا ونهلوا من علمه واستفادوا من تجاربه رحمه الله. وكان من أبرز هؤلاء ابنيه وهما من مواليد عنيزه في وقت تزامن مع فتح الملك عبدالعزيز رحمه الله للرياض، ابنه محمد المتوفى سنة 1397ه وابنه عبدالرحمن المتوفى سنة 1396ه، واللذان جلسا للناس يطببونهم ويعالجونهم من بعد وفاة والدهما محمود ولهما رحمهما الله شهرة واسعة بين الناس، وقد اشتهرا بالعلاج وتجبير كسور العظام بأنواعها على ما كان عليه والدهما رحمه الله وقد اشتهرا بذلك شهرة واسعة حيث عملا من بعد وفاة والدهم محمود بتقدير الشجاج للمحكمة الكبرى في منزلهم (وزودني الأخ راشد بن عساكر بوثائق خاصة عنه وتقديراته التي يرفعها للقضاة والمسئولين عن ذلك) فكان منزلهم كدائرة حكومية يدفع كهربها وماؤها من خزينة الدولة مباشرة، وكانا من المؤسسين الأولين والمساهمين في شركة كهرباء المنطقة الوسطى، وأخذ عنهما في تجبير الكسور ابن محمد الأكبر وهو معروف ومشهور بالتجبير واسمه عبداللطيف رحمه الله. توفى في الخامس من شهر ذي القعدة لعام 1423ه عن عمر يناهز السبعين سنة وقد عمل طوال حياته في تقدير الشجاج في المحكمة الكبرى بالرياض رحمهم الله رحمة واسعة. كذلك كثير من نسائهم وبناتهم تأثروا بآبائهم وأزواجهم فعملن بتطبيب النساء وعملن كذلك متعاونات موظفات تابعات للمحكمة الشرعية في تقدير شجاج النساء. أخذ عنه الطبيب ابن مزروع وكان يعالج الناس بكسور العظام وغيرها وهو من مشاهير الأطباء الشعبيين في مدينة الرياض، وقبل وفاته رحمه الله أخبر آل محمود أنه تعلم مهنة الطب على جدهم الطبيب محمود في مدة لازمه فيها. أبناؤه: أشرنا سابقا، بأن محمود رحمه الله عاش أكثر من مائة سنة وتزوج نساء كثر في أول حياته ولم يرزق بذرية وحكمة الله اقتضت أنه لم يرزق أبناء إلا بعد أن تجاوز الستين سنة من عمره ولله في ذلك حكمة فرزق بعدها بستة أبناء وثلاث بنات وأبنائه هم: صالح ومحمد وعبدالرحمن وعبدالعزيز وعبدالله، توفوا جميعا رحمهم الله تعالى ولهم ذرية، أما ابنه عبدالرزاق فقد توفي. عهد عن أبناء محمود جميعا صالح ومحمد وعبدالرحمن وعبدالعزيز وعبدالله أنهم أهل كرم وجود وسخاء منزلهم مفتوح للجميع. ومما تجدر الإشارة إليه أن أبناء محمود صالح وعبدالرحمن وعبدالعزيز التحقوا بجيش الملك عبدالعزيز وشاركوا بمعركة الوديعة وغيرها. سكنه: له منازل في الرياض، وهي مساكن ملاصقة لمسجد عبدالله بن موسى في حلة آل بحير وقد أوقف رحمه الله أحد هذه المساكن على مصلحة القليب التي تخدم المسجد بماء الشرب والوضوء. أيضا له مساكن رحمه الله في عنيزه، في منطقة يقال لها الصالحية وسط عنيزه قريبة من الجامع الكبير جامع الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله. وفاته: توفي محمود بن صالح رحمه الله في مدينة الرياض، في عام 1368ه ودفن في مقبرة العود.
نقلة علي المحيميد

المصدر جريـــــدة الرياض 

0 التعليقات: