حميدان الشويعر تحت المجهر التاريخي 1/2 ~ مدونة الخوالـــــــد

حميدان الشويعر تحت المجهر التاريخي 1/2

اختلف الرواة في العصر الذي عاش فيه حددوه من بعض القرائن والشواهد من شعره حققت نفوذاً وسلطة من غير رئاسة ولا ثراء

ناصر عبدالله الحميضي
الكاتب: ناصر عبدالله الحميضي
    حميدان الشويعر، تعودنا أن نسمع اسمه مصغراً في أوله وآخره، وتعودنا أن نأخذ معانيه دون أن ندخل في تفاصيل وزنه أو قوافيه، وعشنا معه في ترحاله وأعجبنا بتغطياته، وشاع ذكره بسبب حكمته أو هجائه.
قيل أن اسمه حمد، وأن مسمى حميدان تصغير يقوله معارفه كعادة أهالي نجد كلهم، كما سمي الشويعر لأنه شاعر، وقيل أن جسمه كان صغيراً، أما اسمه الحقيقي فهو (حمد بن ناصر السياري) هكذا قال البعض أيضاً.
واختلف الرواة الشفهيون وليس الكتاب فقط في ذلك. 

وقيل أن اسمه (حميدان) ليس تصغيراً له بل هو اسمه وهو من قبيلة بني خالد، بحسب ما يقوله الرواة لا بحسب ما يتضح في شعره. ولم يكن مهتماً في شعره بذلك، بل ترك علامات كثيرة من الغموض ليست في جانب التأكيد، بل ربما أغلبها يعين على النفي. 

ولد في أواخر القرن الحادي عشر وعاش جل عمره في النصف الأول من القرن الثاني عشر وامتد به العمر إلى النصف الثاني من القرن نفسه أي إلى ما يعد 1160ه بقليل من نفس القرن.

كان له نفوذ وسلطة من غير رئاسة ولا ثراء، بل كان مقلاً أو هكذا يفهم من شعره، واكتسب ذلك النفوذ من شعره وقوة تأثيره في المحيط حوله ولم يكن له تأثير من خلال قبيلة أو جاه أو وجاهة وهناك أدلة كثيرة على ذلك ومنها ترجيه التوسط له أمام ابن معمر وكذلك البحث عن ملجأ في نهاية عمره بعد حادثة هلال وابنه مانع، ويبدو أن شعره كان محلياً واقليمياً أكثر منه عالمياً، فقد انحصر شعره في شخصيات معينة وبلدان معينة أيضاً وهذا ما جعل منه رجلاً يحسب له حساباً ولشعره تأثير لتركيزه وتسليط أضوائه على أماكن لا تخفى عليه بأرضها وساكنيها حاضراً وماضياً ومجتمعاً يعرف بعضه بعضاً. 

أما اطلاعه فقد كان واسعاً فيما يبدو إلى حد ما، وثقافته بينة قوتها في شعره سواء كانت تلك الثقافة سياسية أو دينية أو اجتماعية. أو تجارب شخصية فصار رأيه مبنياً على هذه الأسس. 

جاء ذكر لأولاده وزوجته دون الاسم وابنته ولم يصرح باسم واضح سوى (مانع) والغريب أن هذا الاسم قليل أو نادر في القصب منذ تاريخ حميدان الشويعر وحتى الآن. ولا ندري ربما يكون الاسم رمزاً أيضاً.
امتهن الشويعر الزراعة وله مزرعة في القصب جرفها الآن وادي الباطن وهي قريبة من (باب الحوطة) الباب الرئيسي في البلدة القديمة إلى الشمال منه بمسافة 200متر تقريباً كما أن داره فيما يظن بجوار باب الحوطة أيضاً باقية منها شواهد حتى الآن. 

رحل إلى شمال الجزيرة العربية، وخاصة الزبير فترة من الزمن، قدرها بعضهم بسنتين وله جولات في مدن سدير بالذات وعنده إحاطة بالدروب والمواقع ولكن الهدف من تلك الرحلات لم يتضح، فهل كان تاجراً؟
أقول ربما يكون له تجربة في ذلك قبل أن يتخذ الزراعة مهنة له لأن المزارع من صفته الاستقرار وعدم التنقل. والرحلات في زمن الشويعر تحتاج أشهراً ومدة طويلة، ولا يعتقد أنه مر بالقصيم أو جنوب العارض. 

عاش حميدان الشويعر في أوائل القرن الثاني عشر الهجري باتفاق من كتب عنه تقريباً بل قبل ذلك بقليل. وامتد عمره إلى النصف الثاني من القرن نفسه، وبالتالي فإننا عندما نعطي هذا الاحتمال - وأعني من يقوم بدراسته - فإنه احتمال يمكن أن يكون أو لا يكون ما لم يدعم بالبراهين أو الدلالات والقرائن وحيث أنه مجال بحث لم يتحقق الجزم فيه بعد فإنه يمكن الاستفادة من شواهد واقعية تؤيدها الفاظ الشويعر نفسه، ويصرح بالكثير منها، ويمكن تثبيتها كعلامات استرشاد على طريق البحث عن محيطه الذي عاش فيه، بجوانبه الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المحلية عموماً. 

وقد يقول قائل: ولكن حميدان الشويعر ذكر بلداناً بعيدة مثل صنعاء ونزوى وسنجرة أو سنجارة، أو ذكر كلمة (مصرية) أو كسرى أو (الزبير ولو لم يكن صراحة). أو غير ذلك من الكلمات التاريخية أو المعلومات التي قد تحويها الكتب وتنتقل عادة مع المتعلمين أو التجار والرحالة فإن هذه كلها لا تخرجه من كونه فضل محيطه القريب وأعطاه ما لم يعط غيره فلم يكن للقصيم مثلاً ذكر في أشعاره وعندما رمى ببصره ناحية الغرب فإنه تجاوز النفوذ القريب من القصب لكنه لم يبتعد كثيراً بل هي بضع كيلو مترات ولم يذكر سوى، أوشيقر، شقراء، اثيثية، وثرمداء ضمناً لا صراحة. 

أما المنطقة التي غطاها بشبكة من أشعاره فهي سدير مع بعض المحمل ولكن الشبكة كانت تتقلب بين المدح والهجاء، وتناول في مدحه شخصيات كانت ذات نفوذ وسلطة في عصره، لكنه هجا بلداناً بأكملها. 

ولم يهتم الشاعر بمنطقة سدير كمنطقة عبور للشاعر ناحية الخليج العربي والزبير والعراق عموماً فحسب ولكنه كما يبدو من أشعاره اهتم بها كمنطقة لها وضع خاص عنده قد قام بمسحها ومعرفة جبالها وآكامها ووديانها وأناسها الذين سكنوا فيها وأصولهم وفروعهم، مما يعطي عدة مؤشرات ناحية اليقين من قرب الشويعر منها (صهراً أو نسباً أو صداقة حميمة) كما هو ظاهر في علاقته مع (ابن ماضي) فهو لا يعرف محمد بن ماضي فقط لكنه يعرف كامل المنطقة وتاريخها القديم، بل ويعتمد - أي حميدان - على أن غيره يعرف ذلك حيث ضمن أشعاره عدة أشياء بديهية لديه فجاءت تحمل غموضاً لغيره وخاصة في وقتنا الحاضر. 

ولو تتبعنا الأحداث والشخصيات والمعالم الجغرافية البشرية: زراعة، مدن، علاقات.. الخ فإننا كلما وجدنا شخصية أو حدثاً يفيد بمعاصرة الشاعر له ومذكور في شعره فإنه ينسحب على كل من عاش أو حكم في تلك الفترة المحددة سواء علم به حميدان الشويعر أو لم يعلم به وكلما انحصر بين فترتين عاشتهما الشاعر فعلاً فإنه قد عاصره بلا شك. سواء أخذنا ذلك من واقع شعر حميدان أو من غيره ما دامت القرينة التي تثبت حياة الشاعر حميدان موجودة صراحة. 

ويمكننا الاستفادة من كل كلمة في شعره ما دامت تحمل مدلولاً صريحاً أو ضمنياً بغض النظر عن الاحتمالات الجانبية التي يمكن أن يقصدها الشاعر ولم تظهر لنا. 

فإذا قلنا مثلاً أن الشاعر قال في الشطر الثاني من أحد أبيات قصيدة له: (وأنا عيلتي مفتاقة وصغار)
فإن الاحتمال الظاهر هو أن أولاده فقراء وصغار السن وأن مانع لم يتزوج بعد والصغير يحتمل أن يكون دون العاشرة من العمر وبالتالي فإن هذه القصيدة قيلت قبل زواج مانع من زوجته (سويرة) بحوالي عشر سنوات أخرى ليكون عمره عشرين سنة عند الزواح ونعطي احتمالاً لتاريخ القصيدة على هذا الأساس ولو لم يكن قطعياً في حدود عام 1143ه ثم نأتي بمساند آخر يدعم هذا الظن وهو بيت من قصيدته الهمزية باعتبار أنها له حيث يقول:

يا ابن نحيط الله لي من عيلة *** خليتهم في الوشم في رجوائي 


وابن نحيط لم يذكر اسمه ولذا فإنه عندما حكم أمير جلاجل - محمد بن عبدالله بن إبراهيم الدوسري - بلدة الحصون عام 1142ه أمر فيها ابن نحيط ويحتمل أن يكون هو المعني في القصيدة ويذكر الشاعر أن له (عيلة) ثم نأتي بدعم آخر وتوقع للقصيدة الأخرى من حيث التاريخ الذي قيلت فيه، فقد قال بعدما استقر في أثيثية و(تزبّن) والتجأ لى العزاعيز قال القصيدة التي منها ما يلي:

تزبنت لأولاد العزاعيز ديرة *** لهم من ذرى عالي تميم فروع

إلى أن يقول:

فلا ياولدي ما ناب الذي يسفك الدم ا*** ويقضي الشيخ يكسب عبرة ودموع

إلى أن يقول:
فيا ناق من جبانة الوشم ثوري***برد الخبر والعالمين هجوع

وجبانة الوشم هي: صفراء الوشم، أرض مرتفعة وأرضها وعرة، تنحدر منها السيول ناحية الشرق كما أنها تعد خط تقسيم المياه.
ثم يقول:
تروح تبغي نجعة لابن معمر *** والأرياف ما فينا لهن نجوع

ثم يكمل بقوله:

وراك ما صافيت راعي جلاجل *** ما في مصافته عليك هزوع
ما ذار خيل الجار في كل منزل***وخيل العدا إلى أومي لهن يروع 


والمقصود في تلك الأبيات الثلاثة شخصيات هي (ابن معمر) و(محمد بن ماضي) و(راعي جلاجل) فإذا علمنا أن أمير جلاجل محمد بن عبدالله الدوسري قد ساعد على استعادة (ابن نحيط) إمارة الحصون فإنه يفهم رضا حميدان الشويعر عن أمير الروضة وجيرانها ما دام أمير جلاجل بهذه المعاملة الحسنة التي تسر الجار والصديق، وهذا كله حدث بعد عام 1142ه ولا بد أن يكون بعده بسنوات لأن حميدان الشويعر غادر القصب ولم يعد إليها. 

وكل قصيدة قالها في القصب لا بد أن تكون سابقة لتلك، ويفهم أيضاً ضمنا أن ولده مانع قد تزوج وخاطبه في القصيدة خطاب الرجل للرجل حيث قال (فلا يا ولدي) ثم تكلم بالقتال والحرب والدماء وهذا لا يقال إلا للرجال. وعلى هذا تكون فترة حكم عثمان بن سيار أمير القصب بعد عام 1142ه كما أنها لا بد أن تكون قبل عام 1158ه وهو العام الذي فيه وفاة محمد بن ماضي.

0 التعليقات: