قال تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي» صدق الله العظيم. الموت قاهر العباد، وهادم اللذات، ونهاية الأجل، ومصيبة الحياة، هو الحقيقة المطلقة، يختزل هذا الطيف الزائر أعز الأصحاب، وأنبل الخلق، وأغلى الأحبة، يجرد الأفئدة من أثمن ساكنيها، ويضع الجمر في ضمائر الأوفياء، ويزرع حرقة في الوجدان. الشاعر محمد خالد الخالدي، رحمة الله عليه، من شعراء بني خالد الأفذاذ، وفارس من فرسانها، ونجم من نجومها، وسيفاً من سيوفها، دافع عن مبادئ الولاء والانتماء، وتغزل في صفاء الصحراء، وعشق مضارب البادية، وهوى فؤاده نحو بيوت الشعر منازل العز ومساكن الكبرياء، تغنى بنشامى السيف، ومكرمي الضيف، وأهل الكيف، كتب للوطن أروع القوافي، وأبلغ القصائد، وأنشد أعذب الكلمات وأجزل المعاني وأصدق الأبيات، وأثمن المفردات.
الوطنية لديه ليست احتكاراً، ولا مدارس فكرية، ولا مصالح شخصية، بل هي مواقف عز خالدة، تدحرج دونها الصامتين، وتقوقع أمامها المترددين، وزحف عليها المؤلفة قلوبهم، وغض النظر عنها أصحاب الحاجات. صحيح أن الأسرة الصغيرة، الأشد تأثراً بالجرح، والأكثر مرارة بالرحيل، ولكن ربما يكون العزاء أنه بنى أسرة كبيرة من المعارف والأصدقاء على مساحة الوطن، وترك أثراً رائعاً، وحمل تاريخاً مميزاً، كان شهماً، عزيز النفس، صادقاً، وشيخاً جليلاً، ورمزاً عزيزاً، صاحب كلمة ورأي وثقافة، يحمل عاطفة الأبوة الرقيقة، ويداري كبرياء الصلابة، ورمزية العنفوان، رصيده وثروته ودخله الثابت، هو نجاحه وتوفيق الله له في تربيته لهؤلاء النشامى المميزين، وتلك النشميات الناجحات الفاضلات.
 يرحمك الله «أبو خالد» فرحيلك المفاجئ، فجر منابع الحزن، وفتح أبواب الأسى، في ذكرى الأربعين لوفاتك، نقف على الأطلال، نرثيك ونشتاق إليك، ونصلي من أجلك، وندعو الله لك، لعلها تكون جزءاً من واجبنا نحوك، وفاءاً لروابط ودٍّ دائم، واستمراراً لعلاقة صدق قائم، وتخليداً لأيام عزٍّ مستمر، وذكراً لحسنات صديق ترجل. قالوا: «لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته».