من فرع الجبريين الذين حكموا في شمال عمان يرد اسم قطن بن قطن (الحميدان 1980:84؛ 1981:212-214) الذي ربما يكون له صلة بالأمير الذي مدحه الشاعر العليمي بقصيدتين نشرهما الحاتم في الجزء الأول من مجموعة (1952، ج1: 37-40). يقول مطلع أحد القصائد:
يازايرن في عمانٍ قبل ينجالِ // جنح الدجى والملا بالنوم ذهّالِ
ويقول مطلع القصيدة الأخرى:
ألى ياأيها المترحّلينا // على اكوار النضا ياراشدينا
ولا ندري من هو العليمي هذا ولا ما إذا كان العليمي اسمه أو لقبه. لكن من المؤكد أنه من وادي حنيفة في منطقة العارض، فهو يقول في إحدى قصائده:
يازايرن في عمانٍ قبل ينجالِ // جنح الدجى والملا بالنوم ذهّال
ياطول خطوتك من نجدٍ إلى مَلَحٍ // ومن دونك الأرض قفرٍ صحصحٍ خالي
أنا بوادي عمانٍ عنكِ منتزحٍ // وانتِ بوادي حنيفه عال الاوشالِ
والموقع الذي يرد في نهاية الشطر الأول من البيت الثاني يرد اسمه "ملح" في بعض المخطوطات و"منح" في البعض الآخر. ولم أعثر على أي ذكر لموقع بأي من هذين الرسمين لا في فهارس مجلة العرب ولا في المجاز بين اليمامة والحجاز ولا في معجم اليمامة لابن خميس، ومن المؤكد أن المقصود هو موقع في عمان يسمى "منح" حيث لا يورد ياقوت في معجم البلدان أي ذكر لمنح لكنه يورد مَلَح ويقول عنه "موضع في ديار بني جعدة باليمامة" ويورد أبياتا للشاعر جرير تذكرنا بأبيات العليمي يقول فيها وهو منتزح عن ملح في الغور:
ياأيها الراكب المزجي مطيته // بلغ تحيتنا، لُقّيت حُملانا
نهدي السلام لأهل الغور من ملح // هيهات من ملحٍ بالغور مُهدانا
ويثبت العليمي في قصيدته الأخرى انتسابه إلى منطقة العارض حيث يقول:
من العارض إلى وادي عمانٍ // على هجنٍ مواطيهن حفينا
إلى قطنٍ معاد الجود قطن // حجاً للجار وريف الممحلينا
في هذا البيت الأخير يسمي العليمي ممدوحه قطن ويصفه بالأريحية والكرم، وهذه رواية ابن يحيى. وتكاد تتفق رواية الربيعي مع ابن يحيى عدا اختلاف طفيف كما يتبين هنا:
من العارض إلى وادي عمان // على قودٍ مواطيها حفينا
فقلت الى قطن بن قطن // حجا الجاني وريف الممحلينا
لجا الوفّاد من شرقٍ وغرب // ابن جبرٍ غناة الوافدينا
وهذه الرواية تؤكد أن الممدوح من أمراء الجبريين. أما نسبته إلى تميم في رواية الحاتم للبيت:
لقطن معدن الجود قطن // تميميٍّ وريف الممحلينا
فهذا يدخل في باب الخطأ. ونجد في رواية الحاتم لقصيدة العليمي الأخرى التي يمدح بها قطن بن قطن تصريحاً بأن قطن من أحفاد هلال بن زامل، أخي أجود. يقول البيت:
قطن بن قطن بنخا قطن // ولد هلالٍ عريب الجد والخال
ويروي الربيعي البيت بصورة تتفق مع رواية الحاتم في أن قطن الأب ابن أخ لشخص آخر اسمه قطن:
قطن بن قطن بن آخي قطن // عيد اليتاما عريب الجد والخال
أما في رواية ابن يحيى للبيت نفسه فإن قطن الأب ليس ابن أخ قطن بل "نجيب قطن" أي ابن قطن مما يعني أن الاسم الكامل هو قطن بن قطن بن قطن. تقول الرواية:
قطن بن قطن نجيب قطن // ولد هلالٍ عريب الجد والخال
وهذا يتفق مع الرواية التي أوردها سليمان الدخيل في مخطوطته والتي يبدو أنها هي الرواية الصحيحة:
تنجع إليه ضعاف الممحلين كما // ينجع لابن جبرٍ المضيوم والجالي
قطن بن قطن بن النخي قطن // ولد عليٍّ نجيب الجد والخال
أي أن "ابن اخي قطن" حسب رواية الربيعي و"بنخا قطن" حسب رواية الحاتم تحريف لعبارة "ابن النخي قطن" في رواية الدخيل وهذا وصف للجد قطن بأنه نخي أي صاحب نخوة. وكلمة نخي من الكلمات التي يكثر استخدامها آنذاك في قصائد المدح. يقول النابغة ابن غنام يمدح محمد بن اجود: صخيٍّ نخيٍّ اريحيٍّ مجرّب // حبيبٍ لبيبٍ للشكالات طالب. ويقول عامر السمين في مدح ابن ماجد: جود ابن ماجدٍ النخيّ إلى// في شدة الوقت كالوب الزمان قسا. ويقول شاعر متأخر: أضاميم احلافٍ مْولين امرهم // أخا المجد عثمان النخي ابن مانع.
أما الخلاف حول ما إذا كان الجد الأعلى للمدوح هو هلال (الحاتم وابن يحيى) أو علي (الدخيل) فهو خلاف ظاهري يزول إذا ما عرفنا أن قطن جد الممدوح اسم أبيه علي واسم جده هلال، وبعض الرواة يقفز علي ويذهب مباشرة إلى هلال لأنه الأشهر. ومن تدبر هذه الروايات المختلفة للبيت ومقارنتها يبدو أن الممدوح هو قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال بن زامل، والذي نقدر أنه ولي أمر عمان في النصف الثاني من القرن العاشر، ربما في آخره.
ومن الألقاب التي أطلقها العليمي على الأمير قطن "أبو منيف"، يقول في أحد قصائده حسب رواية الربيعي:
ينخن سور الظعن ابو منيف // والموت يمشي معه قصّاف الآجالِ
ويقول في الأخرى:
وهذا اطرف عطايا بو منيف // مجوّز علثة المتعلثّينا
ويرد اللقب "أبو منيف" للإشارة إلى قطن أيضا في قصيدة تغلب عليها الفصاحة على بحر البسيط وجدتها في مخطوطة سليمان الدخيل قالها شاعر اسمه موافق يمدح بها قطن. هذا الاتفاق في اللقب "أبو منيف" في قصيدة موافق والقصيدة السابقة برواياتها المختلفة يشير إلى أن ممدوح موافق هو نفس ممدوح العليمي، قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال.
ونورد هنا قصيدة موافق وهي من الناحية الموضوعية قصيدة مركزة يبدأها بالغزل ولا يشذ عنه كعادة من مر بنا من الشعراء الذين يخوضون في مقدماتهم الشعرية في الحديث عن الطيف والأطلال والمطر وما لاقوه من أهوال في طريقهم إلى الممدوح. ومن الغزل ينزلق موافق برشاقة شعرية في البيت الثاني عشر إلى مدح قطن بأبيات قوية منوها بشجاعته وكرمه والهبات التي حصل عليها منه. ثم يشكو إليه الوشاة الذين فرقوا بينه وبين حبيبه. ولا يفصح الشاعر حقيقة عن مراده فهو يختتم قصيدته مشيرا إلى أن قطن أنبه وأذكى من أن يحتاج إلى شرح وتصريح ليدرك ما يريده الشاعر. وهكذا تنتهي القصيدة وتترك في الذهن إيحاء بأن الشاعر جاء ليشكو إلى قطن من لواعج الحب. والشكوى من الحب وطلب العون في تحقيق اللقاء والوصال مع المحب من المواضيع التي يطرقها شعراء النبط كثيرا في إخوانياتهم ومراسلاتهم الشعرية، وهذا الموضوع يشكل فنا قائما بذاته في التراث الشعري النبطي. لكن هذه المشاكاة الشعرية عادة تكون بين شعراء نظراء وأنداد، أدبياً واجتماعيا. وعادة ما يلجأ الشعراء إلى هذا الأسلوب فيما بينهم حينما يريدون التعرف على بعضهم البعض والتقرب من بعضهم البعض. والتشكي إلى شخص آخر من آلام الحب يعني نوعاً من الندية ورفع الكلفة بين الشاعر وذلك الشخص الآخر. هل وصلت المعرفة والعلاقة بين الشاعر موافق والأمير قطن إلى حد رفع الكلفة؟ هذا ما يوحي به البيت الثالث والعشرين. هذه الصورة تجعل من قطن شخصية قريبة إلى الناس ومحبوبة منهم. ومما يزيد في جاذبية هذه الشخصية أنها نذرت نفسها لمساعدة العشاق والمغرمين، كما تصور ذلك المخيلة الشعبية. وبهذه الآلية تحول قطن بن قطن من شخص تاريخي إلى رمز أسطوري وشخصية خيالية تحاك حولها الكثير من الحكايات الطريفة التي مرت بنا واحدة منها حينما تناولنا قصة أبي حمزة العامري مع زوجته ودور قطن في القصة، على الرغم من البون الزمني الشاسع بين هاتين الشخصيتين. ومما يعزز هذه الأساطير عن شخصية قطن المقدمات الغزلية التي تستهل بها القصائد التي قيلت في مدحه مثل قصائد موافق والعليمي. وفسر المتأخرون هذه المقدمات الغزلية تفسيرا حرفيا دفعهم إلى الاعتقاد بأن كل من لديه مشكلة غرامية ذهب إلى قطن بن قطن يطلب العون منه ويتوسل إليه أن يسعى في تخفيف معاناته ويتوسط له في لم شمله مع من يحب.
ومن الكلمات العامية في القصيدة "سحن" بمعنى "سحق" و"يقادي" أي "يشابه ويماثل" و"يجي" بدلا من "يأتي"، وعبارة "أوي ظن" في البيت الرابع عشر تعني "ياله من ظن وحدس!". ومن الواضح أن حركة الروي هي الكسرة لكن الالتزام بالكسرة في كل أبيات القصيدة يعني ارتكاب أخطاء لغوية شنيعة بمقاييس الفصحى هي كسر الفعل الماضي المبني على الفتح في البيت الأول وكسر المفعول المطلق في البيت الثالث وكسر الفاعل في البيت الثامن، وهكذا. تقول قصيدة موافق:
01) بان الخليل ومن نهوى عن القمن // ومنه حبٌّ بلاج القلب قد مكن
02) وفْراق من نهتويه ان بات منتزحا // عنا بعيد النيا محنٌ من المحن
03) ما ناح نايحه أو راح رايحه // إلا بقى القلب يسحنه الهوى سحن
04) ولا ذكرت ليالينا التي سلفت // إلا بقى الجسم مني ناحل البدن
05) ولا طرى أو سرى طيفٌ يذكّرني // لياليا قد مضت في سالف الزمن
06) ولا تجاوب قمريٌّ مفاجيه // ضيم الزمان ومفجوعٌ على شجن
07) ولا حدى حاديٌ إلا وقلت له // ياحادي العيس بالله لي عليك عن
08) حتى تتابع من الأجفان منتثر // دمعٌ يقادي جمانٍ خانه القرن
09) يجي بغير اختياري لا أرد له // ترعٌ قد احرق حامي فيضه الوجن
10) من صاحبٍ نازحٍ خال الوصال قصى // عني قد اختلفت في هجره الظنن
11) والله يدري بحالي لو كتمتها // عن الوشاة مداراةً عن الفتن
12) خضعت راسي لها كرهاً علَيّ كما // تخضع رقاب العدا لقطن بن قطن
13) ركنٌ سنادٌ على الشدات مدّخر // إلى علَيّ زمان النابيات عن
14) ومنه قد نلت نيلاً من حماه ومن // لي فيه ظنٌّ على الشدات أوي ظن
15) ومن عطاني عطايا من وهايبه // دَعَنّ عني عصاف النايبات عن
16) ليته يرى أو درى باللي بُليت به // من الوشاة ومن فقد الأليف حن
17) عرج على التالي عسى ردته // يثني على طايحٍ بالأرض مرتهن
18) من فوق عبل الشوا سلمٍ معربّها // أوراد حوض وطيس الضرب والطعن
19) وشيحفٌ آفةٌ زرقا مطرّقة // مسقيةٌ من شبا المرّاد ربع من
20) وطاسةٌ ناصحٌ صلدٌ مذكّرةٌ // وابو منيفٍ منى ضيف الشتا قطن
21) نهّاب وهّاب ما تملك أنامله // محمود معروف لى انوى هيبة الوطن
22) إلا وراعي عطايات تأملها // يوم ولو هزل من جزلها بمن
23) إليك أشكي أموراً قد بليت بها // والسد ينشر على الخلان ما يكن
24) الحال تنبيك عن رد السؤال ولا // يغبى على العارف العنوان واللحن
25) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما لاح برقٌ وما داج الظلام وجن
ويحكي الرواة الشعبيون رواية أسطورية عن صلة الشاعر العليمي بالأمير قطن يجد القارئ نماذج منها في الجزء الثالث من مجموعة منديل الفهيد من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية (1403: 25-26)، وفي كتاب إضمامة من التراث لسعد بن محمد بن نفيسة (1981: 47-52)، وتقول رواية النفيسة والفهيد إن العليمي من العيينة. كما ترد القصة في الجزء الثالث من كتاب أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية لعبد الكريم الجهيمان (1400، ج3: 193-214)، وتقول رواية الجهيمان إن العليمي من القصيم، وفي هذا خلط بينه وبين الشاعر الشعيبي من عنيزة والذي مدح بركات الشريف. ولا يقف الخلط بين العليمي والشعيبي عند تحديد موطنهما، بل إن المرحوم عبدالله الزامل (1398: 120-123) وكذلك النفيسة (1981: 47-52) يوردان ظروف اتصال الشعيبي بالشريف بركات في حكاية تشبه حكاية اتصال العليمي بالأمير قطن. ونتيجة تداخل الأحداث الأسطورية في السرد الشعبي نجد خلطا في أذهان الرواة بين الشاعر الشعيبي وعلاقته بالشريف بركات وبين الشاعر العليمي وعلاقته بالأمير قطن بن قطن. وقد يؤدي هذا التشابه والتداخل إلى الاضطراب لو عمدنا إلى قراءة هذه الشخصيات بمنطق التاريخ. الحكايات التي تنسج حول هذه الشخصيات أقرب إلى التاريخ في شكلها السردي لكنها أقرب إلى الشعر في فك رموزها واستنباط معانيها. التداخل الحادث بين هذه الأساطير، بين هذه الأعمال الإبداعية، لا يختلف في ذلك عن الشعر وما نشاهده من اشتراك القصائد في الموضوعات والصور والتشبيهات والاستعارات وغير ذلك من الأدوات الفنية. لا بد من الاحتكام لمنطق الأدب والفن بدلا من منطق العلم والتاريخ في تعاملنا مع هذه الأساطير. تستعير الأساطير من بعضها البعض المواضيع والأحداث وعناصر السرد مثلما تستعير القصائد من بعضها البعض المقدمات الطللية والغزلية ووصف الرحلة والناقة ومناظر الطرد ووصف الغيث.
وملخص حكاية العليمي مع قطن أن ابن حاكم البلد التي يقطنها العليمي وزوجته وأمها استطاع بذهبه البراق أن يغري أم البنت الجشعة التي أرغمت ابنتها الجميلة والمغلوبة على أمرها على التنكر لزوجها العليمي الذي كانت تحبه لتمهد لزواجها من ابن الأمير. وشد العليمي رحاله إلى أمير عمان قطن بن قطن ليستنجد به ضد الأمير وابنه. فهب قطن لمساعدته واتفق وصولهما إلى البلدة في نفس الليلة التي كانت فيها زوجة العليمي تزف إلى ابن الأمير. فاحتال قطن وتمكن من الوصول إلى مخدع العروسين وقتل ابن الأمير وخلص المرأة منه وردها إلى زوجها. وكادت خطة قطن في الوصول إلى مخدع العروسين أن تفشل حين مرت بالقرب منه حينما كان مختبئا في أحد زوايا المنزل عجوز بدأت تعرك أنفها وتتشمشم وقالت: أشم زبادا من النوع الفاخر الذي لا يتطيب به إلا قطن بن قطن. عندها مد قطن يده إليها من الخلف وفرك رقبتها بحركة سريعة ماهرة فماتت في الحال دون أن تحدث ضجة أو تسيل دما. فأسندها إلى أحد الحيطان وتركها كما لو كانت جالسة وغشاها النعاس. ويقول الفهيد والنفيسة إن اسم زوجة العليمي حصة؛ وهذا أيضا هو الاسم الذي يرد في أحد مخطوطات هوبير في مقدمة القصيدة اللامية التي تقول "أيضا له في قطن يوم تجيه حصه بالرويا".
والقصيدتان اللتان قالهما العليمي في مدح قطن من القصائد الرائجة التي تناولتها أيدي النساخ ونشرت في أكثر من مكان. وقد حاولت التوفيق بين هذه المصادر، مع التركيز على المصادر الخطية، للخروج بنص كامل مستقيم. وبالرغم من ذلك يبقى النص الذي اجتهدت في تحقيقه من المصادر المتاحة لي يعاني الكثير من الخلل والاضطراب. وقد مر بنا في بداية هذا الجزء حينما تحدثنا عن منشأ العليمي وعن من يكون قطن كيف تختلف كلمات الأبيات ورواياتها من مصدر لآخر. ونبدأ بالقصيدة اللامية والتي يتحدد مضمونها في ثلاثة مواضيع: موضوع الطيف والنسيب والذي يستغرق تسعة عشر بيتا ثم المطر من البيت العشرين حتى السادس والعشرين ثم المدح في الأبيات الإحدى عشر الأخيرة. وتخلصه في البيت السادس والعشرين من المطر إلى المدح تخلص بديع لكننا نصادفه كثيرا في شعر شعراء آخرين مثل عامر السمين وجعيثن اليزيدي وغيرهما. أما بالنسبة للبيتين الثالث والثلاثين والرابع والثلاثين فلا ندري هل تشابههما مع البيتين الرابع والخمسين والخامس والخمسين من قصيدة عامر السمين في مدح قضيب بن زامل من نوع وقع الحافر على الحافر أم هو خلط من الرواة بين القصيدتين اللتين تتفقان في البحر والقافية. والقصيدة قصيدة مدح عادية ليس فيها ما يوحي بأي حال من الأحوال بأن العليمي جاء قطن مستصرخا ليرد له زوجته. حتى المقدمة الغزلية، وهي مقدمة طويلة نسبيا، ليس فيها ما يدل على أن العليمي يقصد بها زوجته، وإنما هي مقدمة تقليدية لا تختلف عن مثيلاتها في القصائد الأخرى. وواضح من هذه القصيدة ومن القصيدة التي سنوردها بعدها أن العليمي وفد على قطن مستجديا لا غير ومدحه أملا في عطائه، كما هي عادة الشعراء مع الأمراء.
والقصيدة على بحر البسيط ولغتها عامية عدا أن الكلمة الأخيرة في صدر كل بيت من أبيات القصيدة تقريبا يلزم نطقها نطقا فصيحا لإقامة الوزن. وقد يمتد النطق الفصيح ليشمل الجزء الأكبر من الصدر، إن لم يكن كله. والصيغة "لا تطع" في البيت التاسع صيغة فصيحة يقابلها في العامية "لا تطيع"، أي أن العامة لا تحذف عين الفعل الأجوف في صيغة الأمر والنهي.
01) يازايرن في عمانٍ قبل ينجالِ // جنح الدجى والملا بالنوم ذهّالِ
02) ياطول خطوتك من نجدٍ إلى مَلَحٍ // ومن دونك البيد قفرٍ صحصحٍ خالي
03) أنا بوادي عمانٍ عنكِ منتزحٍ // وانتِ بوادي حنيفه عالى الاوشال
04) أهلا هلا مرحبا بالطارش الهاشل // في تالي الليل عندي نافقٍ غالي
05) حيّه ولا تجعله أتلى مواصله // وان تجعله أوّلٍ ما ييزي التالي
06) أهلا بمن صابني بالبعد والنيا // له بالضماير مقرٍّ فيه نزّال
07) يامايث العطر ياغض الشباب ويا // حوريّ الالحاظ ياجرّار الاذيال
08) وراي انشّد طروشك عنك محتفي // والا انت من جاك ما سايلت عن حالي
09) قال اقبل العذر مني لا تكذّبني // ولا تطع يالعليمي فيّ الاقوال
10) والله ما زلّ يومٍ ما ذكرتك به // في طول غيبتك انا انشد عنك واسال
11) مفجوع ماجوع جسمي منك منتحل // وفي ضميري على فرقاك ولوال
12) يانور عيني وياسيدي وياسندي // وياهواي ان جرح الحب قتّال
13) تلّيت عرفه وزندي فوق منكبه // وشربت من فاه علٍّ عقب الانهال
14) من سلسبيلٍ كما ثلجٍ مخالطه // شهد النحل ديث في مربوب الاطسال
15) واصبحت كني ملكت الهند مع حلب // مع مصر والشام وما يخزن من المال
16) يالايمين العليمي في مودّته // ما اظن فيكم ورب البيت عِقّال
17) لو تنظره نظرتي ما كان تعذلني // وتشهد بقول العليمي والذي قال
18) مجمول مدلول كاللولو ضواحكه // معزول مهزول خصره طيّب الفال
19) حيّال ميّال قتّالٍ بنظرته // ما عاضني فيه من أجناسه ابدال
20) الله يسقي ديارٍ حل جانبها // من مدلهمٍّ طوال الليل هطّال
21) جرّاف ذرّاف مرتكبٍ سحائبه // تلجب رعوده وبرقه يشعل اشعال
22) لكن بعياز مزنه يوم تنظره // سفنٍ من الهند جاه الموج من عالي
23) تشوف نسف الغثا على جوانبه // سفّاح طفّاح شال هشيمه البالي
24) يسقى الدجاني إلى بركٍ إلى مَلَحٍ // إلى سنامٍ إلى معمورة الجال
25) من عقب خمسين وشي الزهر مختلف // يشادي لزل الزوالي عند دلال
26) تعني إليه ركاب الممحلين كمايعني // إلى قطن المضيوم والجالي
27) قطن بن قطن بن النخي قطن // ولد هلالٍ عريب الجد والخال
28) شيخٍ عطاياه جرد الخيل ملبسة // وكل اجرد عطعيطٍ وصهّال
29) والحمر والتمر صفطٍ من وهايبه // وهجاهج الهجن منتوبات الآصال
30) خوّاض جمع العدا في كل هيزعة // خرسٍ تجاول بها فرسان الابطال
31) والبيض فيها كشمس الصبح شارقة // يَنْخَن فوق الْحِنِيْ في حسّها العالي
32) ينخن سور الظعن ابو منيف قطن // والموت يمشي معه قصّاف الاجال
33) عسى يباريه في دنياه أربعة // عزٍّ ونصرٍ وتوفيقٍ وإقبال
34) وملازمٍ كل من عاداه أربعة // غلٍّ وذلٍّ وخذلانٍ مع اقلال
35) حيثه حبيبٍ لبيبٍ ما وطا زله // ريف المقاوى إلى من جوه هِشّال
36) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما طاف بالبيت من حرمه ورجال
37) والآل والصحب ما زار الحبيب وقلت // يازايرن في عمانٍ قبل ينجال
وقصيدة العليمي الثانية في مدح قطن تتفق مع معلقة عمرو بن كلثوم "ألا هبي بصحنك فاصبحينا" في القافية وكلاهما على بحر الوافر.
والبيت الثلاثون وما بعده يذكراننا بقول ابن كلثوم في معلقته: متى ننقل إلى قوم رحانا// يكونوا في اللقاء لها طحينا. ولا ندري إذا كان هذا الشبه مجرد اتفاق ومصادفة أم تقليداً واتباعاً ناتجاً عن قراءة واطلاع. ومما يوحي أيضا بأن العليمي رجل متعلم تهجيته لكلمة "غش" في البيت الثامن والستين. إلا أن القصيدة عامية صرف ما عدا قليلا من المفردات الفصيحة أو العبارات والكلمات التي يساعد نطقها بالفصحى على إقامة الوزن، وسوف نجد أن نسبة الفصاحة أقل في هذه القصيدة عن سابقتها. ومن الكلمات الفصيحة كلمة "قرينا" التي ترد في البيت الثالث بمعنى "ضرب من السير" وفي البيت العاشر بمعنى "صديق" أو "رفيق" وفي البيت الخامس والسبعين بمعنى "ند".
وفي البيت العشرين يستخدم الشاعر كلمة "يرونني" الفصيحة بدلا من "يشوفونني" العامية، وصيغة النداء "ألى ياأيها" صيغة فصيحة وكذلك الصيغة "عُـجا" في البيت الرابع صيغة فصيحة يقابلها في العامية "عوجوا"، أي أن العامة لا تحذف عين الفعل الأجوف في صيغة الأمر والنهي ولا تستعمل المثنى، كذلك صيغة النهي "لا تلمني" في البيت الخامس والأربعين فصيحة يقابلها في العامية "لا تلومَـنْ".
ومع ذلك فإن قصيدة العليمي هذه والقصيدة التي قبلها وتلك التي بعدها قصائد عامية تشير إلى استقرار العامية وتأصلها كلغة شعرية في عصر العليمي. ومع ابتعاد شعر العليمي عن الفصحى فإننا لا زلنا نشعر أنه يمثل مع أبي حمزة العامري، الذي يفتتح بقصائده بداية التأريخ للشعر النبطي، تراثا شعريا وفنيا واحدا. فقصيدة العليمي التي سنوردها الآن هي في الواقع قصيدة نموذجية في عمودها حيث أنها ليست إلا محاولة للتأليف بين أكبر عدد ممكن من العناصر الفنية والموتيفات الشعرية التي كان الشعراء يتداولونها من أيام أبي حمزة ومرورا بابن زيد وجعيثن والسمين.
يبدأ العليمي قصيدته مصورا نفسه واقفا على الطريق في انتظار قافلة ذاهبة إلى عمان ليسير برفقتها إلى هناك. وتأتي القافلة فيتوسل لهم أن يتريثوا قليلا حتى يتم استعداداته للذهاب معهم. ويستطرد في وصف إبلهم النجيبة وصلابتها وصلابة أهلها. ويبرر هذه المجازفة التي تتمثل في الذهاب إلى هذه البلاد البعيدة وتكبد مشاق السفر وأهوال الطريق بأن ذلك، على ما فيه من تعب ونصب، أخف وطأة على نفس الرجل الحر من القعود والكسل الذي يؤدي إلى الخمول والمهانة. وحينما يقل مال الرجل ينظر إليه الناس بانتقاص غير آبهين باستقامته الخلقية ومواقفه الرجولية ورأيه الصائب وشجاعته.
المجتمع يحترم الغني ولا يحترم الفقير. هذه هي مشكلة العليمي مع جماعته الذين يتأهب الآن لمفارقتهم. فلابد له أن يخاطر بنفسه ويبحث عن الغنى ليكتسب احترام الناس وتقديرهم. وهو علاوة على ذلك يمتلك من الشجاعة والجلد وحصافة الرأي ما يجعله قادرا على تحمل المخاطرة ومخاوف الطريق. ويتوقف الشاعر هنا قليلا لينثر بعض أبيات الحكمة عن الصفات الرجولية وعن طبائع البشر وعن القيم التي ينبغي أن يراعيها الإنسان النبيل. ويردف قائلا بأن المال لا يوجد مكنوزا إلا عند شحاح الناس وأراذلهم، وقد سبق لنا سماع هذه الشكوى عند أبي حمزة. وشكوى الشاعر من قومه وتذمره منهم موضوع يتردد كثيرا في أشعار الحقبة الجبرية كما في القصيدة التالية وكما مر بنا في قصائد ابن زيد والسمين وفي مقدمة القصيدة التي قالها جعيثن اليزيدي في ذم ابن حراش، وكأن الشاعر بذلك يريد أن يضع نفسه أمام الممدوح في موضع العزيز الذي ذل فهو يستحق الرحمة أو الكريم الذي عثر فهو يستحق الإقالة. أو ربما أنه يريد أن يؤكد أنه، على الرغم من زهد جماعته فيه، رجل صاحب رأي وشجاع ويعتمد عليه ويمكن الانتفاع به لذا يستحسن تقريبه وصلته واصطناعه. وأصبح هذا الموضوع من العناصر الفنية التقليدية التي تقوم عليها قصيدة المدح مثلما كان العذول أو اللُـوّم مثلا عنصرا فنيا من عناصر قصيدة الفخر في شعرنا الكلاسيكي.
وفي البيت الأربعين يبدو وكأن القصيدة تبدأ بداية ثانية. فهو مرة أخرى يتكل على الله ويتأهب للمسير ويركب مطيته. وهنا نصادف مشهدا سبق أن مر بنا في لامية أبي حمزة التي مدح فيها الشريف كبش بن منصور، أقصد مشهد زوجة العليمي وهي تسير وراءه تودعه وتحاوره وتعلن حزنها على فراقه ليتخذ الشاعر من ذلك مدخلا لطيفا إلى المدح واستدرار عطف الممدوح ومروءته. ويمدح العليمي قطن بالشجاعة والكرم ويصف مهابته في أعين المتخاصمين أمامه فلا أحد منهم يستطيع بحضوره وفي مجلسه أن يقتص من غريمه. وفي البيت الرابع والستين يصف العليمي قطن بأنه "مجوّز علثة المتعلثينا". و"العلثة" هي الحيلة التي يلجأ إليها صاحب الحاجة ليدرك بها حاجته. والمقصود الحيل الفنية والطريفة التي يلجأ إليها الشعراء وغيرهم ممن ألحت بهم الحاجة واضطرهم العوز للحصول على عطاء الأمراء الذين يعرفون حقيقة هذه الحيل لكنهم لشهامتهم ومروءتهم يتظاهرون بتصديقها ويقضون حاجة الوافدين والمسترفدين دون التحقق من صحة دعاويهم التي يحتالون بها على الممدوح. وفي البيتين الواحد والسبعين والثاني والسبعين يقول الشاعر بأنه يلوذ بالممدوح من الفقر ومن الخوف مثلما تلوذ الوعول بشعاف الجبال. وهذه أول مرة نصادف هذه الصورة لكننا سنصادفها كثيرا بعد الآن، كما في البيت الرابع والستين من قصيدة محمد بن منيع العوسجي في مدح سعدون بن محمد بن غرير، وكما في البيت الأخير من سينية سعود بن مانع.
01) ألى ياأيها المترحّلينا // على اكوار النضا ياراشدينا
02) على هجنٍ هجاهيجٍ هجافٍ // كما وصف القياس إلى حنينا
03) مشاويحٍ مراويحٍ صلابٍ // على قطع التنايف والقرينا
04) عُجا لي واوقفا لي فان حالي // براها الهم والعسر المبينا
05) عسى ياخلتي ننال خير // على اكوار النضا يوم اعتلينا
06) إلى سرنا يوافقنا السعود // وفال الرشد فال السامعينا
07) كما احرارٍ من الاوكار طارت // تفوج الجو حينٍ بعد حينا
08) يْقَطِّعْن الفجوج معوّدات // وفي ذا عبرةٍ للعارفينا
09) وظربك موج لج البحر أشوى // من الحاجات لادنى الأقربينا
10) وأشوى من قعودي بالهوان // وشوف الحيف ياتي من قرينا
11) فلا مثلي يقيم بربع دار // على ذلٍّ وهو ثقةٍ ذهينا
12) يشوف الهنقمه بين الرجال // خسيس القدر مسفوه مهينا
13) مَعَ ناسٍ كما رجلٍ غريب // لملفوظي وقولي سافهينا
14) إلى جادلتهم لجّوا جميع // ولا لي بالجماعه من يعينا
15) وكم من سفلةٍ يلوي لسانه // يتهزّا بي وذا أمرٍ بطينا
16) فلا لي في ملايمهم صلاح // إلى عادوا بحالي زاهدينا
17) أبيع اوطانهم بيعة قلاط // وأهجرهم على طول السنينا
18) ولا في خاطري رقٍّ ولين // لملايمهم زمان وكل حينا
19) إلين ارد من عسري ليسري // انشاء الله رب العالمينا
20) عسى يرونني في حال خير // بمد أفضال من جوده عنينا
21) وافرّح كل من هو لي صديق // واغِمّ قلوب من لي حاسدينا
22) ترى الكفّين لو خلين يوم // فهن اليوم الاخر يمتلينا
23) وكم صادمت في برٍّ وبحر // مخافه من شمات الشامتينا
24) بعزمٍ في ضحى حامي الهجير // على الانضا ومرٍّ بالسفينا
25) عسى في غيبتي مفتاح خير // وعمر العبد له حتنٍ وحينا
26) فليس يموت ابو عشرٍ بخمس // وهذا عند كل العارفينا
27) ثلاث خصال بي حرصٍ عليهن // إلى عِدّ الرجال بهن أبينا
28) إكرام الضيف في عسر الليالي // وضرب بالسيوف إلى بلينا
29) فلا يومٍ تضعضع لي مقام // ولا أوري العدا رقٍّ ولينا
30) إلى دارت رحى قومٍ علينا // صبرنا له وقلنا يامعينا
31) والى دارت على قومٍ رحانا // طحنّاهم ودقّقْنا الطحينا
32) وكل رجال باسماهم رجال // ولا هم بالمراجل متّسينا
33) ترى فيهم رجال وفيهم انذال // وترى خيار الرجال المستحينا
34) ولا مدح الرجال بكثر مال // ولا تذمّهم من قل شينا
35) وراع المال محشومٍ مطاع // وكذبه عندهم ما هوب شينا
36) هفت لاجواد في هذا الزمان // والانذال الهفايا معتلينا
37) وصار المال عند اوباش قوم // نجوسٍ ما بهم دنيا ودينا
38) وكل مرابيٍ ما فيه خير // كثير الهذر حلافٍ مهينا
39) نطول خطول من بعيد // إلى ما عاد له مطلوب دينا
40) على الله اعتمادي واتكالي // مجيبٍ مطلب المتوكلينا
41) عزمت وشمت والله لي عوين // فياسعد الذي هو له عوينا
42) ركبت مطيّتي ثم التفت // إلى ان عشيرتي تمشي الهوينا
43) تباريني كما بدرٍ منير // سبت قلبي بعرنينٍ وعينا
44) تزج الدمع من عينين نجل // فقلت اضفي الغطا لا تفضحينا
45) فقالت يالعليمي لا تلمني // ترى قلبي من الفرقا حزينا
46) فقالت آه من فقد الوليف // فلا بدّه يعاود للحنينا
47) فقلت اني لكم جمّاع خير // أجيكم بالغنايم سالمينا
48) فقالت يافدى روحي ومالي // متى ارجي زولك الغالي يجينا
49) فقلت اجي براي الله سريع // قريبٍ لا تباطين السنينا
50) فقالت لي بتيسير الإله // فهو ربي أمان الخايفينا
51) وودّعتك إله ما يخون // وداعة عين راعية الجنينا
52) عسى ياقاك شر الحادثات // إله الناس محيي الميتينا
53) وقالت سر تراك وداعة الله // لعلك تنثني والحال زينا
54) فقلت عوايد الله الجميله // فياما قد تغرّبنا وجينا
55) من العارض إلى وادي عمان // على قودٍ مواطيها حفينا
56) وقالت يالعليمي من نويت // بنشر الحمد بين العالمينا
57) فقلت اني نويت ابن الكرام // ولولا فضل جوده ما عنينا
58) قطن هو معدن الجود بن قطن // حجا الجاني وريف الممحلينا
59) لجا الوفّاد من شرقٍ وغرب // ابن جبرٍ غناة الوافدينا
60) صخيّ الكف شغمومٍ كريم // بشوش الوجه وجهه ما يشينا
61) أقل عطاه بزٍّ من حزوف // ونقد ألوف من حمرٍ تجينا
62) نقود آلاف ما يحصى عداده // قياسٍ في عقول الذاهنينا
63) صخى بالجيش والخيل الاصايل // جمارٍ من غياها جاذبينا
64) وهذا اطرف عطايا بو منيف // مجوّز علثة المتعلّثينا
65) وكل من هو وفد يثني عليه // إلى جو يم اهلهم غانمينا
66) لكن مضيفته موسم بلاد // بها بدوٍ وحضرٍ قاطنينا
67) وكلٍّ شاكيٍ حاله إلى جا // يلوذ بضف زبن الخايفينا
68) بجون بمجلسه لَمّا جميع // وكلٍّ في ضميره غين شينا
69) أهل دعوى واهل طلاب ثار // واهل دينٍ واهل طعن وطعينا
70) ولا يِعْوِج خصيم الى خصيمه // مخافه من ملاذ اللايذينا
71) نلوذ ونلتجي به من هموم // بنكبات الزمان إلى بلينا
72) كما تلجي وعولٍ في طويق // مخافة من وراها الذاعرينا
73) والى امحل ذا الزمان فله جفان // على الضيفان تِنْقَل كل حينا
74) غريريٍّ قطاميٍّ شجاع // ذرى الفرسان من ضرب السنينا
75) خيال الموت أشوى من خياله // إلى ما لَدّ عينه للقرينا
76) نهار الكون طعّانٍ شجاع // ومن رمحه غدى كم من طعينا
77) هشيم القوم في دربه رجوم // تُرى بالقاع صرعى جاثمينا
78) وصلى الله على سيد قريش // نبي الحق أزكى العالمينا
ووجدت في مخطوطات ابن يحيى قصيدة غزلية للعليمي لم يسبق نشرها وهي أيضا على بحر الهزج مع بعض الاضطرابات التي تعود إلى أخطاء النساخ، كما في المصراع الثاني من البيت الأول.
01) بدا بالقيل من قلبه حزينِ // وجيع في حب الطفلتينِ
02) لاقنّي فجنّي عيد الاضحى // وداسنّي بذرعان اليدين
03) بمقرن سكّتينٍ صادفنّي // خذن الروح معهن قسمتين
04) عليهن زَيّ ما شفته بعمري // يكود بهن نسج الخشفتين
05) أنا قلت البدر والشمس قطعا // وهذا اللي تحقّق في يقيني
06) فلما درت انا شوفي وبصري // إلى هن الحباب الطفلتين
07) يساون مملكة قيصر وكسرى // وشرق وغرب عند المثمنين
08) وانا من عرضهم أفدي بروحي // وعمري والجسم والمقلتين
09) طويلات الذوايب والترايب // لهن شيٍّ كما فنجال صين
10) طويلات العنوق مسلوعات // هضيمات البطون مظمّرين
11) خميصات الوسوط من المكالي // ثقيلات النهوض بقبتين
12) تشوف الدر وصط الثغر يوضي // ومديوث الشهد بالشفتين
13) ضربني واحدٍ منهم بلحظه // وشرّعني بسيف الحاجبين
14) ضربني لحظةٍ من قلب مصخر // صفح خَدّي ولجلج لي بعيني
15) فلما أن تيقّنّي وعرفني // نقض مجدولةٍ مثل العريني
16) سكرت ودخت ما ادري وين ايمم // ولا اعرف الخنين من الرنين
17) رشفني ريحته وذهلت عقلي // وخمر الروس نوجات الخنين
18) سألت وقلت اهلكم باي يِمّه // ظعنكم شال والا مرتعين
19) عطين الصدق ياغر الثنايا // عساكم مسعدين ومرشدين
20) عطون الصدق قالوا شرق اهلنا // يمين الجال شفهم نازلين
21) وحنا ناخذ قلوب الهبايل // وعلى ذبح العيال معلمّين
22) ونوري بالجوق من غير شين // نهيّض به غرام الدايخين
23) وغير الشوق ما تلقى ورانا // ياكود البرق يقضب باليدين
بركات الشريف شخصية فذة بز أقرانه ومعاصريه من الشعراء والفرسان. وعلى الرغم من شح الأخبار الموثقة عن بركات التاريخي فإن الذاكرة الشعبية خلقت منه رمزا لكل معاني الإباء والشمم والفحولة الشعرية. وحفظت لنا المخطوطات الشعرية ثلاث قصائد لبركات؛ اثنتان من هذه القصائد، تلك التي قالها في جواده وتلك التي قالها متغزلا، لا بأس بهما. لكن قصيدته البائية بوصل الهاء قصيدة جزلة ومؤثرة لا يسأم الرواة من تردادها ولا يتوقف متذوقو الشعر النبطي عن الاستمتاع بسماع أبياتها وتدبر معانيها والاعجاب بما تحتويه من نبل وسمو. وللأستاذ أحمد العريفي دراسة هي أوفى ما كتب عن بركات الشريف واستطاع من خلالها أن يلقي بعض الضوء على شخصية هذا الشاعر الأمير ويصحح بعض ما يتعلق به من أخطاء تاريخية.
من الأخطاء الشائعة اعتقاد كثير من الرواة أن بركات الشريف من أشراف مكة. والواقع أنه من أمراء الدولة المشعشعية. بعد أن يستشهد بأبيات متفرقة أخذها من قصائد بركات يقول العريفي (1413: 7) إن بركات لا يمكن أن يكون من الأشراف الذين حكموا مكة خلال القرنين العاشر والحادي عشر لأنه حسيني بينما ينتمي أشراف مكة من بني قتادة إلى الحسن بن علي. ونسب بركات الشريف هو بركات بن مبارك بن مطلب بن حيدر بن المحسن بن محمد بن فلاح المشعشعي أحد أمراء الدولة المشعشعية التي تأسست عام 840هـ على يد محمد بن فلاح القرشي الهاشمي وامتد نفوذها على مناطق الحويزة وعربستان لمدة خمسة قرون. (العريفي 1413: 11).
ومما يسند القول بأن بركات من أمراء المشعشعين ذكر الشاعر الشعيبي لمعاركه مع الترك (الروم) في السويق التي يقول العريفي إنها تصحيف السويب وهي قلعة على نهر بالعراق يحمل هذا الاسم. وحينما يحدد الشعيبي مسار رحلته إلى بركات نجده يتجه إلى الشمال من منطقة القصيم، مما يعنى أنه ذاهب جهة العراق لا الحجاز، كما يقول في البيتين التاسع والثلاثين والأربعين من قصيدته المسماة القرنفلية. وفي البيت الثاني والخمسين من نفس القصيدة يذكر الفيحا، أي البصرة، كإحدى المحطات التي يتوقف فيها في طريقه إلى بركات.
وقد سجلت بعض المصادر المنشورة نتفا من الأساطير التي ترددها المصادر الشفهية عن بركات الشريف وحياته وعلاقته مع والده وزوجة والده ( الفهيد، 1413: 44-46، النفيسة 1981: 17-20، (Socin I: 125. وينفرد الربيعي من بين نساخ المخطوطات بإيراد نتف من الحكايات الأسطورية التي تحاك حول بركات والتي لا تختلف كثيرا عما جاء في المصادر المنشورة. وفي تقديمه لقصيدة بركات المثبتة في الصفحة 32 من المخطوطة الخامسة يقول الربيعي عنه إنه من شعراء أواخر القرن الحادي عشر.
وفي تقديمه لقصيدة الشعيبي في مدح بركات المثبتة في الصفحة 101 من المخطوطة الثامنة يقول الربيعي "مما قال الشعيبي في بركات الشريف في ثامن القرن". وفي الصفحة 299 من المخطوطة الثامنة يقدم الربيعي نفس القصيدة بقوله "مما قال الشعيبي راعي عنيزه في بركات الشريف سنة 1085". وهذه ثلاثة مواضع ترد فيها المعلومة ذاتها عند الربيعي بصيغ مختلفة، والمعلومة هي أن بركات من شعراء آخر القرن الحادي عشر. وفي تقديمه لقصيدة الشعيبي في مدح بركات يحدد الربيعي وقت هذه القصيدة مرة بقوله "سنة 1085" ومرة بقوله "في ثامن القرن". في التقديم الأخير لم يخطئ الربيعي في الحساب لكنه أخطأ الفهم والتعبير. كان بحسه الشعبي وأسلوب تفكيره العامي يعتقد أن الرقم العشري الذي هو ثمانون في الرقم خمس وثمانين هو الذي يشتق منه تسمية العقد فتصبح بذلك السنوات من واحد وثمانين إلى تسع وثمانين سنوات العقد الثامن من القرن وليس التاسع. وحسب تفسير الدكتور عبدالله الفوزان فقد وقع الشاعر حميدان الشويعر في خطأ مماثل في قوله من قصيدته الاعتذارية لابن معمر "شاهدت بالحادي شياطين مذهب// محاريث سوٍ بل نجوسٍ مناجسه". يقول الفوزان في شرحه لهذا البيت "ولكون الدلائل تشير إلى أن القصيدة قالها الشاعر في مطلع القرن الثاني عشر، فإن تفسير اللبس هو أن الشاعر -في اعتقادي- يظن أن القرن الثاني عشر هو الحادي عشر، وسبب الخطأ هو الرقم (11) الذي يتصدر بداية تاريخ القرن الثاني عشر "1120هـ" وهكذا." (الفوزان 1408: 112). ومن الأدلة الأخرى على هذا الخطأ الشائع المقدمة التي كتبها سليمان بن محمد الهطلاني في الجزء الثالث من مجموع شعراء عنيزة الشعبيون للشاعر شايع الحسن الخالدي والتي يقول فيها "عاش في القرن الحادي عشر الهجري وفي قصيدته التي بين أيدينا يستحث ابنه حسن للقدوم إليه ويمدح أمير الجناح رشيد الذي الذي حكم من 1155 حتى 1174هـ." (الهطلاني 1415، ج3: 49).
وتفيد المصادر التاريخية الموثوقة أن زمن بركات أقدم مما تصوره الربيعي. وليس من المستبعد أن هذا الوهم الذي وقع فيه الربيعي أتى نتيجة تصحيف الرقم 1085 عن الرقم 1025، خصوصا أن كتابة الرقم 2 قديما تشبه كتابة الرقم 8 حديثا. والرقم 1025 هو التاريخ الذي توفي فيه مبارك، أبو بركات. ومات بركات قبل أبيه سنة 1024 وقيل 1019هـ.
ولا أحد ينكر أن بركات الشريف شخصية حقيقية لها وجود تاريخي. ولكن بحكم تميزه في مجال الفروسية وقول الشعر استقطب اهتمام القصاص ومع مرور الوقت صارت تنسج حوله حكايات أسطورية غلفت شخصيته التاريخية حتى طمستها. وتعنقدت هذه الحكايات الأسطورية وتداخلت في بعضها البعض لتشكل سردا شفهيا مختصرا عن نشأة بركات ومآسيه ومغامراته البطولية. وأول عقدة يحاول السرد الشفهي لحياة بركات حلها هي كيفية التوفيق بين وجوده، الثابت تاريخيا، في منطقة الأهواز وبين كونه شريفا من الأشراف حيث تكاد تقتصر دلالة كلمة "الشريف" في المخيلة الشعبية على أشراف مكة والمدينة. يقول أحمد العريفي:
إن لقب الشريف كما هو معروف يسبق اسم كل من ينتمي إلى آل بيت النبي ص في أي بقعة من الأرض. . ولكن لهذا اللقب مدلول خاص في وسط الجزيرة، فهو يعني بالتحديد أمير مكة من عائلة الأشراف الحاكمة في الحجاز.. فإذا قيل الشريف (هكذا مجردا) اتجهت الأذهان تلقائيا إلى أحد أمراء الحجاز.. كما هو الحال في إطلاق ألقاب (ابن سعود) و(ابن رشيد) و(ابن صباح) و(ابن عريعر).. الخ، والمقصود في كل ذلك الأمراء الحاكمين منهم وليس كل من ينتمي إلى تلك الأسر. ولهذا اعتقد الناس أن بركات لا بد وأن يكون من أمراء (أشراف) الحجاز! (العريفي 1992: 31-32).
وصدها بركات ولما طال إلحاحها شجها في وجهها. وخافت الزوجة أن يجهر بركات بخيانتها أمام والده فقررت أن تستبقه. وجاءت بجربوع صغير سلخت جلده ولطخت جثته بالدماء ولفتها. وحينما عاد الشريف مبارك إلى البيت تظاهرت الزوجة بأنها تعاني من آلام مبرحة وأرته الجربوع الملفوف مدعية أنه جنينها أسقطته في محاولتها الدفاع عن نفسها حينما هاجمها بركات بعنف وقسوة بغية النيل منها. غضب مبارك من بركات وقسى عليه في الكلام وأهانه في مجلسه. هذا ما حدا ببركات إلى الابتعاد إلى منطقة الأهواز. وتذكرنا هذه الأسطورة بأسطورة مماثلة جرت لعمرو بن قميئة مع عمه مرثد بن سعد بن مالك والتي يرويها صاحب الأغاني على النحو التالي:هذا الفهم المحدود لدلالة لقب "الشريف" هي البذرة التي فرخت الأسطورة الشعبية. كيف يفسر الرواة الشعبيون سر انتقال بركات من مكة إلى الأهواز؟ لا بد من سبب لهذا الانتقال، لا بد من دافع.
هنا تطل علينا الأسطورة التي تقول إن بركات شب فتى وسيما في حضن والده مبارك، شريف مكة، أو عمه حسب رواية أخرى. وكانت امرأة أبيه قد صَـبَـت به وصارت تتحين الفرصة لمراودته عن نفسها.
كانت عند مرثد بن سعد بن مالك عم عمرو بن قميئة امرأة ذات جمال، فهويت عمراً وشغفت به ولم تظهر له ذلك، فغاب مرثد لبعض أمره -وقال لقيط في خبره: مضى يضرب بالقداح- فبعثت امرأته إلى عمرو تدعوه على لسان عمه، وقالت للرسول: ائتني به من وراء البيوت، ففعل، فلما دخل أنكر شأنها، فوقفت ساعة ثم راودته عن نفسه فقال: لقد جئت بأمر عظيم، وما كان مثلي ليدعى لمثل هذا، والله لو لم أمتنع من ذلك وفاءاً لعمي لأمتنعن منه خوف الدناءة والذكر القبيح الشائع عني في العرب. فقالت: والله لتفعلن أو لأسوأنك، قال: إلى المساءة تدعينني، ثم قام فخرج من عندها، وخافت أن يخبر عمه بما جرى، فأمرت بجفنة فكفئت على أثر عمرو، فلما رجع عمه وجدها متغضبة، فقال لها: مالك، قالت: إن رجلا من قومك قريب القرابة جاء يستامني نفسي ويريد فراشك منذ خرجت، قال: ومن هو؟ قالت: أما أنا فلا أسميه، ولكن قم فاقتف أثره تحت الجفنة، فلما رأى الأثر عرفه. (الأصفهاني 1981؛ 18:77).
وتدور الأيام وتسير الأحداث مما يؤدي بشكل أو بآخر إلى أن يتولى بركات حكم الأهواز. ثم يأتيه الخبر أن أباه أحاطت به الأعداء مما يهدد بزوال ملكه. هنا تبرز شهامة بركات ونخوته. نسي ما حدث له من أبيه وهب حالا لمساعدته قاطعا كل هذه البراري الشاسعة الموحشة من الأهواز إلى حيث كانت تدور رحى الحرب بين أبيه وخصومه. ويباشر بركات المعركة ضد الأعداء في النهار متنكرا لا يعرفه أحد، ولا حتى أبيه. وفي الليل ينام مع ابنة عمه التي يبدو أنه تزوجها قبل مغادرته مكة لكنه لم يصطحبها معه إلى الأهواز. وكان بركات كلما طعن فارسا من الأعداء وجندله عن فرسه لا يأخذ الفرس لكنه يحتفظ بلجامها. ولما انتهت المعركة وانهزم الأعداء انصرف بركات دون أن يعرفه أحد أو يعلم بوجوده. لكنه قبل أن يغادر أعطى أعنة الخيل لابنة عمه كدليل على وجوده معها. لو حدث أنها حملت من مضاجعته لها كل تلك الليالي التي قضياها معا خلال وجوده لمدافعة الأعداء عن أبيه من سيصدق كلامها ويعتقد براءتها لو حاولت إقناعهم دون أن يكون تحت يدها دليل مادي؟ الدليل المادي الوحيد الذي يمكن أن تبرهن به على صدق قولها هو هذه الأعنة التي في حوزتها. وحالما رأت الفرسان يقودون الخيول التي قتل بركات أصحابها ويدعون أنهم هم الذين قتلوهم وأخذوا خيولهم لم تطق صبرا وسارعت بإظهار الأعنة لتضع حدا لهذه الادعاءات الباطلة. ولما علم مبارك بأن ما حدث كان بسبب وجود ابنه سارع في تجهيز ركائبه ليلحق به ويطلب منه العودة إلى بلاده. وتصالح الاثنان لكن بركات لم يشأ التفريط بملك الأهواز واستمر ملكا هناك.
ومن يتتبع شعر بركات يستشف أن علاقته مع أبيه مرت بمرحلة من التوتر لكن التفسير الذي تقدمه الأسطورة لهذا الجفاء غير مقنع تاريخيا. كانت لهجة بركات تجاه أبيه في قصائده لهجة مفعمة بالوقار والتقدير والاحترام والافتخار المطلق بالانتساب إليه. هذا يوحي بأن الأمور بينهما لم تتعد مستوى العتاب والشره إلى مستوى الهجر والقطيعة. والمتتبع لمصادر التاريخ الموثوقة يستنتج أن أزمة بركات مع أبيه كانت أزمة عابرة أولا لأن المصادر لم تورد أي ذكر لهذه الحادثة وثانيا لأن المصادر تؤكد اعتماد مبارك المطلق على ابنه في تدبير شؤون مملكته، خصوصا في آخر أيامه. يقول جاسم شبر، مؤرخ الدولة المشعشعية، عن بركات إنه كان "ذا رأي وتدبير ثاقب، قدمه والده على الأباعد والأقارب مفوضا إليه جميع أمور الدولة، ولم يخالفه قط . . .
وقد كان عفيفا تقيا وشجاعا مقداما ظهرت شجاعته في المعارك التي خاضها مع أبيه ضد آل غزي وهو صغير السن ومع قابليته هذه لم ينازع إخوته على الولاية والحكم، بل كان عونا لهم في الملمات والشدائد، وحل المنازعات." (العريفي 1992: 24).
وعلى الرغم من النسيج الأسطوري الذي يغلف شخصية بركات فإنه لا يراودنا أدنى شك في نسبة شعره، حتى وإن اختلفت رواية قصائده من مصدر لآخر. وفي تلك الفترة الحرجة، فترة خلافه مع أبيه، قال بركات أجمل قصائدة والتي يعدها النقاد درة من درر الشعر النبطي وهي قصيدته البائية بوصل الهاء.
كثيرا ما يبدأ شعراء النبط قصائدهم بأبيات يعبرون فيها عما يمرون به من معاناة نفسية وذهنية. وغالبا ما يكون المقصود هو المعاناة الإبداعية المتمثلة في بحث الشاعر عن الصور الفنية الجميلة والقوالب اللفظية المناسبة التي يصب فيها رسالته الشعرية. لكن هناك حالات يكون المقصود فيها ما سببه الحدث الباعث على قول القصيدة من ألم نفسي. تتلخص معاناة بركات في أن أباه، أقرب الناس إليه وأجدرهم بحبه وثقته واحترامه، يضعه في موقف صعب بإهانته له في مجلسه المكتظ بأشراف القبيلة وأعيانها. وهذا يضع بركات في مأزق، فهو إما أن يقبل الإهانة ويركن إلى الدعة والراحة في حماية العشيرة وإما أن يقدم على المخاطرة ويضرب دروب الهلاك مبتعدا عن أبيه الذي أهانه وعن العشيرة التي أهين أمامها. الخيار الثاني ليس سهلا ولما فيه من المخاطر نهاه أصحابه عن تجشمه. لكن أنفة بركات وعزة نفسه تأبيان عليه الإقامة في دار الذل والهوان. أيّا من هذين الخيارين لا بد أن يحسب له بركات ألف حساب ولا بد أن يقلبه على كل وجه. هذه مرحلة حرجة في حياة بركات تجعله يعيد حساباته في كل شيء ويعيد تقييمه للأمور وشؤون الحياة. هذه التجربة تبين لنا أصالة بركات ونبله وقوة عزيمته فهو يصمم على اختيار طريق الشرف الصعب مخالفا بذلك نصحائه الخلص الذين يشفقون عليه وعلى حياته.
بعد هذه التوطئة ينتقل بركات لمدح والده ليدلف بعد ذلك إلى معاتبته معاتبة رقيقة على ما بدر منه تجاهه. والبيت السابع عشر يوحي بأن بركات يحاول أن ينفي عن نفسه تهمة ألصقها به الوشاة وصدقها والده ويؤكد لوالده أنه لم ينكر جمائله قط ولم تحدثه نفسه يوما بالإساءة إلىه، وهذا أمر يرفضه بركات أصلا لأن من واجب الابن تجاه أبيه ألا يغضبه. وتحمل المخيلة الشعبية زوجة الأب مسؤولية إيغار صدر مبارك ضد ابنه. ويبوح بركات بأن عتابه لوالده دافعه ما سمعه منه من توبيخ وكلمات جارحة ووصفه إياه بأنه "ثبر"، وهذه صفة تطلق على الإنسان الخامل الذكر والضعيف العزيمة والقليل الحيلة، ومنها اشتقوا فعل الأمر "انثبر" الذي يوجه بقصد التبكيت والتحقير لأي شخص يحاول التطاول على الآخرين أو القيام مقاما أعلى من مقامه.
وفي البيت الخامس والعشرين يعلن بركات عن عزمه على الرحيل والابتعاد عن أبيه. وموضوع الصرم والقطيعة والرحيل يتردد كثيرا في الشعر العربي القديم وفي الشعر النبطي، وقد ورد في أبدع أمثلته في لامية الشنفرى ومعلقتي طرفة ولبيد. وهو موضوع يتمشى في قيمته الفنية ووظيفته النفسية مع طبيعة الحياة البدوية الرعوية التي تقوم على التنقل والترحال وتؤكد الاستقلالية والاعتماد على النفس. ولا ندري هل نفذ بركات تهديده بالرحيل أو أنه طرحه كمجرد خيار يمكن اللجوء إليه عند الضرورة. لكن الرواة الشعبيين التقطوا المعنى الحرفي لهذا التهديد ونسجوا حوله أسطورة ابتعاد بركات عن أبيه في مكة وذهابه إلى الحويزة.
وكلمة "خطوب" في البيت السابع والعشرين كلمة فصيحة تعني عظائم الأمور والمصائب التي تعترض أصحاب الهمم الرفيعة وتحول دونهم ودون الوصول إلى ما يريدون. واستخدام بركات لهذه الكلمة بمعناها الفصيح ينم عن ثقافته واطلاعه على دواوين الأدب العربي. لكن هذه الكلمة اندثرت في الاستخدام العامي ولم تعد مفهومة للرواة الأميين الذين يتناقلون شعر بركات. لذا تحورت هذه الكلمة معنى ومبنى على ألسنة الرواة الأميين إلى الكلمة التي تقاربها في اللهجة العامية وبموجب ذلك تحولت العبارة "لو كثرت خطوبي" على ألسنة هؤلاء الرواة وفي بعض المخطوطات إلى "لو قلت اخطبوا لي" مما فتح الباب أمام التخريجات التي أدت إلى تثبيت هذا الخطأ في الفهم اللغوي والتاريخي بدلا من تصحيحه. فهناك من اعتقد أن بركات طلب من والده أن يخطب له زوجة ومنهم من فهم المقصود بالخطبة الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة. فقد فهم العريفي مثلا أن سبب المغاضبة بين بركات ووالده "وشاية وصلت الأخير تتهم بركة بمحاولة الإطاحة بوالده وتولي حكم الإمارة! والخطبة لفلان (في قوله لو قلت اخطبوا لي) تعني في اعتقادي تولية الإمارة حيث كان تعبيرا شائعا أن يقال قطعت الخطبة لفلان وخطب لفلان بمعنى أن الإمارة انتقلت من الأول إلى الأخير." (العريفي 1992: 30). وهكذا نجد أن الفهم الخاطئ لكلمة "خطوب" وكلمة "الشريف" قبلها لعب دورا في تشكيل الأسطورة التي أحكم الخيال الشعبي نسجها حول شخصية بركات.
وابتداء من البيت الثامن والعشرين يصور بركات المواقف التي يعرف فيها والده قدره وشجاعته وحاجته إليه. وقد تكون هذه الأبيات هي الأساس الذي بنت عليه المخيلة الشعبية حادثة تضييق الأعداء على مبارك وكيف هب ابنه بركات لمساعدته رغم ما بينهما من جفاء. ونلاحظ أن بركات لا يلجأ إلى استدرار العطف من والده ولا يخاطب فيه عاطفة الأبوه وإنما يذكره بمواقفه معه وفداحة الخسارة التي سيجنيها الأب من تفريطه بابنه، وكأنه يتمثل بقول الشاعر: أضاعوني وأي فتى أضاعوا؛ أو قول الآخر: سيذكرني قومي إذا جد جدهم// وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. وبنفس الدرجة من التأكيد على حاجة والده له نجد بركات يؤكد استقلاليته واكتفاءه ذاتيا واستغناءه بنفسه وقوة عزيمته وعلو همته عن الآخرين. فهو يعود في البيت الأربعين إلى موضوع القطع والصريمة ويلجأ إلى صورة طريفة ليعبر فيها عن الوحشة التي تباعد بين الناس والبغضاء التي تفرقهم فتتباعد منازلهم وتنقطع الزيارة بينهم فيصبحون غرباء عن بعض حتى أن كلاب الحي تنكرهم لأنها لم تعد تذكرهم ولا تذكر رائحتهم فتنبحهم كما تنبح الأغراب وتمنعهم من الوصول إلى المنازل. ويجسد البغضاء على شكل عقرب تبحث عن أي جسم حي لتنهشه وتنفث فيه سمومها. وفي الأبيات الأخيرة من القصيدة يحاول بركات أن يوجز على شكل حكم مقتضبة بعض العبر والدروس التي استفادها من تجربته الأليمة.
01) عفا الله عن عينٍ للاغضا محاربه // وقلبٍ دنيفٍ زايد الهم شاعبه
02) أسهر إلى نام المعافى ومدمعي // كد انهلّ من فوق النضيرين ساكبه
03) أقول لما عيل صبري ولجّ بي // رفيقٍ شفيقٍ جيّداتٍ مذاهبه
04) دع العذل عني يانصوحي وخلّني // فشرواك ما يرضى هوانٍ لصاحبه
05) إذا ما هدانٍ أضعف البعد عزمه // يعيش بذلٍّ راكبٍ فوق غاربه
06) شهرت عن الزهدا وهي لي فِضِيّه // ولا يدفع المخلوق ما الله كاتبه
07) وقد قلت لما اشرفت ذات عشيةٍ // على مرقبٍ عالى الذرى من مراقبه
08) فيامبلغ عني ذوى الجود والصخا // ومن شب شارات المعالي مكاسبه
09) مبارك زبون الجاذيات ابن مطلب // ذرى الجار والجالين عن كل نايبه
10) ثم ابلغه مني سلامٍ مضاعف // عدد ما همل وبل السما من سحايبه
11) وقل ياحمى دنّ السبايا من القنا // إلى احمَرّ من عود البلنزا ذوايبه
12) يامورد الأسياف بيضٍ حدودها // ومصدّره حمرا من الدم شاربه
13) يازبن راعي عودةٍ قصّرت به // مْعَقّبِةٍ في تالي الخيل تاعبه
14) ياكعبة الوفّاد للضيف بالقسا // إذا النذل ذلّ ولاذ واغضى بحاجبه
15) إلى قلّ درّ المرزمات وأجدبت // وقل الحيا واوقات الامحال كاهبه
16) بنيت لنا بيتٍ من العز شامخ // سل الله ألا يهدم الضد جانبه
17) لا تحسب اني بعد حسناك والرضا // أبغضبك بالدنيا ولا هيب واجبه
18) فلا شك جاني منك ملفوظ كلمه // على حضرة الرمّاق والخلق قاطبه
19) تقول لي ياثبر وانا غذوّتك // ولا ثِبْرٍ الا من يفاجي قرايبه
20) ولا ثِبْرٍ الا من يهد وينثني // في ساعةٍ والهوش حامٍ جوانبه
21) وعاتبتني من غير ذنبٍ جنيته // عساه يحظى بالغنى من تعاتبه
22) أراك تعاتبني ولا دست زله // والغير لو داس الخنا ما تعاتبه
23) ترى عرق وجهي وجاهي وشيمتي // معي حاضره بالوجه ما هيب غايبه
24) ولا ني غويٍّ بك ولا بي سفاهه // عزيزٍ ولا نفسي لدنياك طالبه
25) وانا اخترت بعد الدار في نازح النيا // ولا قولةٍ بركات كد هين جانبه
26) وفي كل دارٍ للرجال معيشه // والارزاق كافلها جزالٍ وهايبه
27) وربك لو كثْرت خطوبي فإنني // صِبِيّ الشقا ما لان للضد جانبه
28) عساك تذكرني إلى جاك ضيقه // وجا المال يحدى جافلٍ من معازبه
29) ولك بان مركاضي إلى اشرفت للعدا // وتماوجت بالعج فيها سلاهبه
30) بيومٍ كداجي الليل ضافي قتامه // فيه السبايا كالخواطيف لاعبه
31) كأن القنا ما بين ذولا وبيننا // كما أرشية بيرٍ طوالٍ مجاذبه
32) وريش القنا حومه كغربان دمنه // على رمَمٍ بين الخميسين عاطبه
33) تسمع هويد الخيل من شد وقعها // كصلصال رعدٍ في مثاني سحايبه
34) وانا فوق قبّا تقحم العود عندل // شعوا مرفّعْةٍ طوالٍ حواجبه
35) طويلة عظم الساق وافي شبورها // لها مثل عرف الديك طوعٍ أجاذبه
36) لي فوقها درعٍ ونصبٍ وطاسه // وسيفٍ بيمنى أبلجٍ يستلاذ به
37) مع طول عشرٍ فيه زرقا سنينه // كما النجم تاضي في دجى الليل ثاقبه
38) بيومٍ فرح بي من يودّون حضرتي // إلى شاف ما يكره والاضداد حاضبه
39) والى ما شكت روس البلنزا من الظما // سيفي ورمحي من دما الضد شاربه
40) فالى نبحتنا من قريبٍ كلابهم // ودبّت من البغضا علينا عقاربه
41) نحيناه باكوار المطايا ويَمّمت // بنا صوب حزمٍ صارخاتٍ ثعالبه
42) بيومٍ من الشعراء يستوقد الحصا // تلوذ بأعضاد المطايا جخادبه
43) قلته على بيتٍ قديمٍ سمعته // على مثل ما قال التميمي لصاحبه
44) إذا الخل أورى لك صدودٍ فأوره // صدودٍ ولو كانت جزالٍ وهايبه
45) وكن عنه أغنى منه عنك ولا تكن // جزوعٍ إلى حقّت بالاقفا ركايبه
46) ترى ما يعيب الدوحه الا من اصلها // وما آفة الإنسان إلا قرايبه
47) ولا قلته الا والركايب زوالف // عن الواش والحساد والنجم قاطبه
48) موت الفتى في كل دو سِمَلّق // خليٍّ من الأوناس قفرٍ جوانبه
49) قفرٍ يحير به الدليل مخافه // شجر المفالي طامساتٍ مراقبه
50) على الرجل أشوى من قعوده بديره // يقيم بها والذل دومٍ مطانبه
51) من قلّط الهندي ومن وخّر العصا // جلى الهم واصبح نازحٍ عن قرايبه
52) ومن وخّر الهندي ومن قلّط العصا // يصبح بذلٍّ راكبٍ فوق غاربه
53) خاطر بنفسك في لقى كل هيّه // تحوش الغنايم والمقادير غالبه
54) فلا خطرٍ يومٍ بيدني منِيّه // ولا حذرٍ ينجي من الموت صاحبه
55) وشم واغتنم واطلب من الله بالدجى // فهو خير من يعطى العطايا لطالبه
56) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى وازكى قريشٍ مناسبه
وواضح من أبيات هذه القصيدة أن بركات يعاني جرحا عميقا بسبب سوء ظن والده به وأن ما لقيه من والده أكبر من كونه مجرد إهانة صغيرة. ويعود بركات إلى الموضوع ذاته في قصيدة أخرى على بحر الهزج يبدأها بمدح جواده ثم ينتقل إلى التعبير عن تأثره بما حدث بينه وبين أبيه ويشير في الأبيات الأخيرة إلى أن أباه كان يهينه ويحط من قدره.
وبأسلوب لطيف يحاول بركات أن يذكر أباه بأن تربية الأبناء من مسؤولية الآباء وأن الأب الذي يشمت بابنه إنما هو في واقع الأمر يشمت بنفسه ويؤكد على فشله في تنشئة فلذة كبده تنشئة صحيحة. ولا يستبعد أن مبارك كان يسيء معاملة بركات لسبب لم ترصده المصادر التاريخية، أو ربما كان يقسو عليه في المعاملة إلى حد مبالغ فيه حينما كان شابا ليعوده على الخشونة والصلابة. ولربما عاد السبب إلى أن مبارك، الأب الحنون والشيخ المحنك، كان يشفق على إبنه الشاب ويحاول الحد من اندفاعه وطيشه وردعه عن طموحاته التي تبدو أكبر من طاقته وقدراته نظرا لحداثة سنه وقلة خبرته.
وغالبية النساخ يقدمون هذه القصيدة في مخطوطاتهم بعبارة "وله في جواده"، وهذا هو ما يبدو لأول وهلة لأن الخمسة عشر بيتا الأولى من القصيدة تتحدث عن الفرس وعدة الحرب. لكن موضوع القصيدة الأساسي هو الأزمة الذاتية التي كان يمر بها بركات جراء التوتر القائم في العلاقة بينه وبين أبيه والتي تعبر عنها الأبيات الأخيرة من القصيدة.
01) قال بركات الحسيني الذي له // جوادٍ ما تِدَنّى للمبيعه
02) قصيرٍ قينها وافي جماها // كبيرة راس منتجها رفيعه
03) معارفها كما بسلة حرير // وذات مناخرٍ جِلْقٍ وسيعه
04) وحاركها كما ذيبٍ مويق // على الرعيان ضاري للفديعه
05) حوافرها كما قدحان بدو // مكفّاتٍ على جال الشريعه
06) لها صدرٍ وسيع الشبح رحب // منَفّجْةٍ جواجيها تليعه
07) مليحٍ وصفها وافي شِبَرْها // بِرِيّ القين ليّنْة الطبيعه
08) منَتّجْة الغيا من خيل نجد // طفوح الجري لِعْسافي مطيعه
09) إلى ما سمعت الصوت المذيّر // تنطّ عيونها كنّه خريعه
10) أبدّيها بما تملك يميني // من البان الخلايا والنفيعه
11) أدنّيها لمنقوشٍ عياضي // ولي من صنع داودٍ صنيعه
12) كرقراق الغدير بصفق ريح // على جنباته القلعا رصيعه
13) ومع ذا طاسةٍ صلدٍ ضمان // مخفّضةٍ مرفّعةٍ منيعه
14) وسيفٍ من سيوف الهند عضب // شباته باللحم ما له وقيعه
15) ومطّرد الكعوب من البلنزا // وبه كالنجم سطواته فنيعه
16) أريد المدح في ذولي وذولي // إلى ما جان جلابه يبيعه
17) ألى يامدنيٍ مني سنادي // فنى العدوان وان شاف القطيعه
18) مباركٍ الذي للجود منهل // وبذل الجود من كفّه نريعه
19) سلامي مع تحياتي عليه // وقل ياسيّدي وش هالفجيعه
20) تعاتبني بذنبٍ ما جنيته // وظني فيك حسنٍ ما أضيعه
21) انا ان عيّرتني فانا غذوَّك // وهذي قالةٍ كودا فنيعه
22) أنا ابن مباركٍ زبن المجنّى // إذا الممنوع أشفى في منيعه
23) أنا وافى الذمام نقي عرض // عن المنقود لي نفسٍ رفيعه
24) ولا خلّيت ربعي في مضيق // وكم من واحدٍ خلّى منيعه
25) أنا ابذل مهجتي من دون وجهي // وروحي بالوغى خوف الشنيعه
26) واعلّم سابقي عند التلاقي // على المطروح ردّتها سريعه
27) وكيف ارضى بخفض القدر عندك // ولي نفسٍ عن الزهدا رفيعه
28) أنا ان عِدّت خصال الجود عني // تخيّر من معانيك القريعه
29) وصلى الله على سيد قريش // نبي الحق نصّاب الشريعه
ولبركات قصيدة أخرى على نفس الوزن يقدمها النساخ في مخطوطاتهم بعبارة "وله يتغزل" لأن موضوع القصيدة في ظاهره هو الغزل.
والمتمعن في القصيدة يلحظ أنها أقرب إلى الفخر منها إلى الغزل، والغزل ليس إلا إطارا يلجأ إليه الشاعر للافتخار بنفسه ونسبه.
وغالبا ما يوظف الغزل في الشعر العربي كمدخل أو رمز لمواضيع أخرى. مثلا تغزل الشيخ بفتيات الحي اللائي يرفضنه بعدما علا الشيب رأسه رمز للوهن الذي يصيب الإنسان في سن الهرم وانخفاض قدره عند الناس مع زوال قوته.
وأحيانا يرمز الشعراء للدنيا الغرور وتقلبات الدهر بفتاة لعوب تتبسم لمحدثها وتطمعه بنفسها وتسخى له بالمواعيد لكنها مواعيد كاذبة وسرعان ما تحول هذه الفتاة اهتمامها ونظراتها من عاشق إلى آخر، لا ترعى وداً ولا تصدق وعداً. والشعراء الأمراء والفرسان يصورون جرأتهم وطموحاتهم الكبيرة واستماتتهم في سبيل تحقيقها على صورة فتاة جميلة عفيفة مصونة في قلعة حصينة محاطة بالحراس الأشداء.
وربما تجاهلت الفتاة طالبها وأنكرت نسبه وهذه حيلة فنية يلجأ لها الشاعر ليتيح المجال أمام نفسه للفخر بأصله وفصله. من هذا المنظور ينبغي لنا فهم قصيدة بركات الغزلية. وتنتهي القصيدة نهاية سعيدة حيث يتم لبركات الوصل من فتاة أحلامه بعد أن عرفت قدره ومكانته. هذه النهاية السعيدة ربما ترمز إلى انتهاء الخلاف القائم بين بركات وبين والده. لاحظ انتسابه إلى بني الحسين في البيت 23. تقول القصيدة:
01) إلى كم لا تجود الدمع عينا // من الفرقا ولا القى لي معينا
02) على لاما غضيض الطرف عندل // طويل الجيد ازجّ الحاجبينا
03) أغرٍّ أدعجٍ حلو الثنايا // سلب عقلي بخد وشفّتينا
04) ألى ياعاذلي دع عنك لومي // هوانا قبل خط العارضينا
05) فلا همّي فراق اهلي وحيي // ولو هم بين أحباب وبنينا
06) بلى هي شف بالي ياعذولي // لحاك الله لا تبدى الكنينا
07) ودون وصالها فرسان حرب // مناعيرٍ كما أسد العرينا
08) ولما جيت راس العين بانت // معالمها وقد صح اليقينا
09) وجيت مغلّسٍ في جنح ليل // وفي يمناي ماضي الشفرتينا
10) وقد نبّهتها بذباب سيفي // وكل الناس جمله نايمينا
11) وقد ذهلت وراعت من فعالي // وقالت كف عنا لا تجينا
12) فقلت أنا لها خوفي من الله // تراني مبتلى صبٍّ حزينا
13) بحق الله وآياته عليك // إله المصطفى والمرسلينا
14) فإما لي حصل لا ذا ولا ذا // رضيت ولو بمطلٍ توعدينا
15) فقالت من تكون من البرايا // أشوفك عند روحي مبتلينا
16) فقلت لها قتيل الشوق وانتي // تصدّي بالزعَم ما تعرفينا
17) أنا بركات جرّار السبايا // إلى غاروا وقد بان الكمينا
18) أنا خيّالها وان حق جفل // فما يحتاج إنك تجهلينا
19) أنا هدّام شاشات المعادي // بكل مهنّدٍ شطرٍ سنينا
20) إلى راحت تنازى بالبلنزا // لتالي الجاذيات أنا الضمينا
21) وإن قلتي أبي أنظر بعيني // تعالي يوم هولٍ وانظرينا
22) أنا اقحم سمحة السمحوق عمد // إلى من جن بالمستشهرينا
23) ومع ذا تفهمين اصلي وفصلي // أنا من روس روس بني الحسينا
24) أنا ابن مباركٍ زبن المجنا // وغيث الناس في غبر السنينا
25) فقامت خجلةٍ مني وقالت // جهلتك ياعريب الوالدينا
26) فلكن العفو منكم سجِيّه // أنا في ما تبي دنيا ودينا
27) وحل الوصل من بيني وبينه // وبتنا باللذاذه آمنينا
28) فياله ليلةٍ ما الذ منها // قصار الليل ضد العاشقينا
29) ختمنا القول صلى الله وسلم // على المختار سيد المرسلينا
30) عدد ما قلت من فرقا حبيبي // إلى كم لا تجود الدمع عينا
وليس لبركات من الأشعار في المخطوطات التي بين أيدينا إلا هذه القصائد الثلاث والتي يبدو أنها. نظرا للشبه الواضح بينها في جوها النفسي وفيما تعبر عنه من قيم ومشاعر، قيلت في فترات متقاربة وفي نفس المرحلة التي كانت فيها علاقة مبارك بوالده تمر بأزمة.
وهناك قصيدة كافيّة عبارة عن نصيحة يوجهها قائلها إلى ابنه مالك ومطلعها:
يامرقب بالصبح ظلّيت باديك // ما واحدٍ قبلي خَبَرته تعلاك
وقد نسب ابن يحيى هذه القصيدة للشريف بركات وتابعه في ذلك الحاتم وتابعهما من جاء بعدهما. وقد نفى أحمد العريفي (1992: 54-56) نسبة هذه القصيدة لبركات المشعشعي بناء على قراءة تحليلية لمضمونها لكنه لم ينسبها إلى أحد بعينه. وقد وجدت رواية لهذه القصيدة في الصفحات 41-44 من المخطوطة الخامسة من مخطوطات الربيعي وقد نسبها الربيعي للشريف راجح من أشراف مكة. وواضح من بحر القصيدة وقافيتها المزدوجة أنها قيلت في وقت متأخر عن وقت بركات.
وقد سبق أن أوضحنا بأن القصيدة الذهبية لعامر السمين لم يقلها في مدح بركات المشعشعي وإنما في مدح بركات آخر يحتمل أنه من أشراف مكة. والشاعر الذي تتفق المصادر على أنه مدح بركات المشعشعي هو الشعيبي الذي يلقبه الربيعي "راعي عنيزه" كما مر بنا. وهذا ما يؤيده تأكيد الشعيبي في البيتين التاسع والثلاثين والأربعين من قصيدته اللامية بأن نقطة انطلاقه إلى بركات من القصيم. ولا خلاف بين المصادر فيما يتعلق بنسبة الشعيبي إلى عنيزة لكنها لا تتفق في معنى اسمه هل هو مشتق من كونه من قبيلة المشاعيب أم لأنه من أهل حارة الشعيبي.
ومدح الشعيبي بركات بقصيدتين على بحر الرجز إحداهما تسمى أم الفرقدا لقوله فيها: ومهالكٍ لا يستطيع مراحها// الا سروح الربد وام الفرقدا. والأخرى تسمى القرنفلية وتستوحي اسمها من قول الشعيبي في أحد أبياتها: تكسى المتون بقذلةٍ مغذيّة// باطياب مسك وعنبرٍ وقرنفل.
يبدأ الشعيبي قصيدته أم الفرقدا بالحديث عن الطيف ويسهب في ذلك ويخرج منه إلى النسيب حتى البيت الثالث والثلاثين حينما ينتقل إلى موضوع الغيث ووصف المطر. وهذا ترتيب تقليدي في عمود القصيدة النبطية القديمة منذ أيام أبي حمزة. وطريقته في حسن التخلص من وصف الغيث إلى المدح هي نفس الطريقة التي سبق أن مرت بنا في قصائد السمين وجعيثن اليزيدي والعليمي. وفي وصفه للغيث نصادف نفس العبارات التي مرت بنا عند الشعراء السابقين مثل قوله "ميقات موسى" في البيت السابع والثلاثين وقوله "دمار عمار" في البيت الرابع والثلاثين.
يتسم مناخ الصحراء ودورة الحياة الطبيعية فيها، وكذلك الاجتماعية، بالتضادية والمراوحة الحادة على مدار العام بين فصول الشدة وفصول والرخاء، بين برودة متجمدة في ليالي الشتاء إلى حرارة ملتهبة في حمارة القيظ، من جدب ومحل في الصيف إلى رخاء وخير عميم أيام الربيع، من تجمع في أوقات المقاطين إلى تشتت في أوقات النجعة. وقد عبر شعراء النبط عن هذه التضادية في وصفهم للمطر بأنه "عمار دمار"، المطر في الصحراء، على شحه وندرته، إذا هطل ينهمر غزيرا على شكل زخات سريعة تتحول في لحظات إلى تلاع جارية ووديان جارفة تنسف كل ما يعترض طريقها من بيوت وحلال وتقتلع الأشجار وتغرق الزواحف والسباع في جحورها. وحينما يصف الشعراء النبطيون المطر فإنهم، مثلهم في ذلك مثل شعراء الفصيح، يبدأون بالحديث عن آثاره المدمرة. وكلما كان الدمار أكبر كلما دل على غزارة المطر وجودته. وهذا يعني خيرا أعم وحياة أرغد لأنه ستنبعث من هذا الدمار حياة جديدة في الصحراء التي ما تلبث أن تدب فيها الحياة فتورق أشجارها وتزهر أعشابها وتملأ طيورها الجو بالتغريد وتنهض ظباؤها وغزلانها من كل مجثم. وهكذا تتحول الصحراء الجرداء، ذلك الشبح المخيف والوجه المكفهر، وبكل ما يحمله ذلك من معاني الجدب والعقم والموت والفناء، إلى مفالي ورياض غناء تعج بالحياة وتنبض بالحيوية. كأن المطر بذلك يمسح الحياة ليعيد تشكيلها ويجدد خطوطها. هذه الصورة،كما يرسمها الشعراء، تعيد إلى الأذهان أسطورة أدونيس/تموز التي فسرها علماء الأساطير بأنها ترمز إلى دورة الحياة الطبيعية وتجددها.
ومما يدل على تأخر زمن الشعيبي نسبيا إشارته في البيت الثاني والستين إلى أجود واستحضاره من ذاكرة التاريخ وذكره مقرونا بذكر ابن الزبرقان بن بدر. وكغيره من شعراء المدح الذين مروا بنا، لا ينسى الشعيبي في آخر القصيدة أن يتحدث عما لاقاه في رحلته إلى الممدوح من أهوال الطريق ومشقة السفر. والمقطع الذي يبدأ من البيت التاسع والستين قريب من قول ربيعة بن مقروم يمدح مسعود بن سالم بن أبي سلمى:
وجسرة أجد تدمى مناسمها // أعملتها بي حتى تقطع البيدا
كلفتها فرأت حتماً تكلفها // ظهيرة كأجيج النار صيخودا
في مهمه قذف يخشى الهلاك به // أصداؤه لا تني بالليل تغريدا
لما تشكت إلي الأين قلت لها // لا تستريحين ما لم ألق مسعودا
ما لم ألاق امرأ جزلا مواهبه // رحب الفناء كريم الفعل محمودا
يقول الشعيبي:
01) زارت وقد نهج الدجى وتجرهدا // وانجال جلباب الظلام الأسودا
02) وتمايزت الافلاك ثم تحدّرت // جل النجوم إلى المغيب تورّدا
03) واغتال ساري الليل نومه وانطوى // متلذّذٍ في طيب حلو المرقدا
04) هذا وحسنا في بلادٍ دونها // سفك الدماء ونار حربٍ توقدا
05) ومهالكٍ لا يستطيع مراحها // الا سروح الربد وام الفرقدا
06) كم ذا يتيه بها الدليل إذا سرى // ليلٍ ولا لحزومها يتعهّدا
07) مما يراه من المهالك والظما // ومكابد الحزم العريض إلى بدا
08) من دونها نفد الضواحي واللوى // وعنيزتين وطيب نومي قد بدا
09) من بعد ما جنح الظلام إلى اكتسى // عين المهاة وغاب قرن الأسودا
10) والى ان حسنا بالمنام تمدّ لي // كفٍّ مخضّبةٍ بصاف العسجدا
11) تقول ما انت الا صليب عزايم // عن من تودّ وللمحبه تجحدا
12) واقسمت بالبيت المعظم والضحى // والتين والزيتون وآيات الهدى
13) ما لي سواك من الملاح نحيلة // من فنتق الشرقي الى وادي كدا
14) ودنت تحاورني فبتّ كأنني // بالكوثر المبعوث صرت مخلّدا
15) متبجّحٍ بوصال ضامرة الحشا // حوريّةٍ للزين فيها معهدا
16) نقوة أناثي حرّةٍ هركونة // ما مثلها في نسل حوا يوجدا
17) تنفل جميع المحصنات بوارد // متعثكلٍ ضافى الخصايل أسودا
18) وبعين مغزلةٍ واشافٍ ذبّل // حمر المراشف ما علقهن الصدا
19) ومن الظبا جيدٍ يحفّ مناكب // حم تلوح بها عقود المقلدا
20) ياما تحمّل خصرها من ردفها // عجزا إلى رامت تقوم وتقعدا
21) له مثل غصن الموز ساقٍ ناعم // بحلٍ به الخلخال جضّ وغرّدا
22) وانفٍ كما حد الحسام يزينه // ريح الشمطري بالسفاه يردّدا
23) وترايبٍ بيضٍ وعنقٍ راكز // وصدرٍ ترى فيه النواهد قعّدا
24) وحشا لطيفٍ ما نشا فيه الظنا // ولا لها عقب العتيم تلجّدا
25) أمست تردّن للهوى رعبوبة // هيفا صموت الحجل فايحة الردا
26) خريدةٍ تسبى العقول بحسنها // تلعي وتصبي له قلوب العبّدا
27) لو أنها عبرت كنيسة راهب // بزمان عيسى للعباده مجهدا
28) لرمى الكتاب وخرّ اليها ساجدا // وصبا لها ونسي متابعة الهدى
29) سمح الزمان لنا بطيب وصالها // بالعرق من شرقيِّ وادي ثرمدا
30) واستنفرت مما عهدت ودابها // بالمطل في ديني تقر وتجحدا
31) لو ان حسنا تعلم إني قبل ذا // قاسٍ على فرقا الحبيب معوّدا
32) ما كان تنسى وصلنا بمدارج // والواش عنا والحواسد بعّدا
33) الله يسقي دارها بمحنتم // لجبٍ كداجي الليل لونه أسودا
34) جرّاف ذرّافٍ دفوقٍ رافق // دمّار عمّارٍ لما يتعهّدا
35) يدعي جميع رياضها وفياضها // منها المغاني والمكالي حشّدا
36) تشوف حيّات التراب لكنها // قطع الحبال على غثاه المزبدا
37) فإلى قضى ميقات موسى زادها // بالسمك دمّارٍ لما يتجددا
38) وتخالف النوّار فيها واصبحت // خضرٍ مفاليها يعط بها الندى
39) تلقى وحوش الريم فيها رتّع // والريل فيها والنعايم شرّدا
40) تلجي مفاليح الرجال لها كما // تلجى لجود ابن الكريم السيدا
41) وافي الذمام عن الملام بمعزل // تاج الملوك خليفة آل محمدا
42) بركات من خير المناسب دوحته // بركات باعلى ذروةٍ متجوّدا
43) نهار فتح الروم جانا ذكره // في نجد وديار العراق مشيّدا
44) يجي ثناه بشرقها وبغربها // بتذكار فعل ابن الكريم يمجّدا
45) وان زعزع الثار القديم وجذّبوا // يوم التلاقي كل شرثٍ مغمدا
46) بيومٍ عبوسٍ قمطريرٍ باسه // ذاك النهار يشيب راس المولدا
47) ومباركٍ ذاك النهار تشوفه // القرم عند اعقابها يتصيدا
48) من فوق نابية القطاة شْمِرّة // من أعوجيات الأصول تردّدا
49) بالعهد عنها ما يفوت طريدها // وبها الوناة ان كان خيله تطردا
50) تدنى له الصفرا ودرعٍ ضافي // من نسج داودٍ جْلي عنه الصدا
51) مع ربع ستينٍ براسه شلفا // منها بواليد الدروع تقدّدا
52) ومصقّلٍ صافي الحديده صارم // كم ذا على روس القروم يورّدا
53) لو تنطق الروس التي قطعت به // بفمٍ فصيحٍ فالجماجم تشهدا
54) والدم يجري في الجيوب كأنه // من سيف ابو بدرٍ بحرها المزبدا
55) صرايع ذاك النهار تشوفها // شروى نخيلٍ جاثيات بثرمدا
56) والبيض غضّات الشباب حواسر // شروى الجمان دموعهن تبدّدا
57) بلطافةٍ ورشاقةٍ ورفاقة // تاطا الوطيس على ضياه الموقدا
58) من شِدّ ما يوحنّ من وقع القنا // والبيض واطراف الرماح تورّدا
59) ياما علا بالسيف روس رجالها // واقفوا كما وصف النعايم شرّدا
60) يتلون مَلْكٍ لا يزال حريبه // عينيه في طول النعاس تسهّدا
61) مَلْكٍ عظيمٍ بالأمور مجرّب // مَلْكٍ بصولات الكفاح معوّدا
62) أصخى من الملك الغريري واجود // وافرس من ابن الزبرقان إلى عدا
63) يحكي ثناه بكل وادٍ طايل // ثقات عن فعل الشريف تمجّدا
64) لولاك ما جزنا حزومٍ كنها // تطلى إلى حمي الهجير زمردا
65) ولولاك ما دسنا سباريت الخلا // وديار ساكنها المهامه والصدى
66) فالى جرى عرق الهجين من الونى // واوزا بها سوج الرحال الملهدا
67) وتزفّرت تشكي علَيّ مطيّتي // الدوب والحولات مع طول المدى
68) مسّيت ملقى زورها لذراعها // بالعقب ثم اتليتها بالجلمدا
69) واقسمت بمنزّل تبارك والضحى // والصف والإخلاص وآيات الهدى
70) ما تبركن على الوطا باثفانكن // يومٍ ولا عنك النجير يبرّدا
71) حتى نجي لابن الكريم ونلتجي // باركان كعبة جوده المتعهّدا
72) يمحى خطايا الفقر عني شوفه // شيخٍ يبش صباح وجهه بالندى
73) ملك مضيفه لم يزال مدلّق // لجميع وفّاد البرايا مقصدا
74) هذا يشد وذا بعيشه راغد // طول الزمان وذا يروح موفّدا
75) لو ان مثله بالمروّه واحد // غدى الفقر عنا زمانٍ وابعدا
76) دامت له العليا ودام وجوده // ودامت ليال العز له طول المدى
77) ثم الصلاة على النبي محمد // ما لعلع القمري وناح وغرّدا
78) والآل والأصحاب ما نجمٍ بدا // زار وسرى جنح الدجى وتجرهدا
ونورد الآن قصيدة الشعيبي القرنفلية والتي تعطينا بعض المعلومات الإضافية عن بركات. لاحظ في البيتين السابع والأربعين والثامن والأربعين من هذه القصيدة براعة الشاعر في حسن التخلص إلى غرضه وهو مدح بركات والاستطراد في تحديد نسبه وتعداد المواقف التي ظهرت فيها شجاعته. والترويح عن رفاق السفر بسرد القصص والأخبار التي تروى عن كرم الممدوح وأريحيته كما في هذه القصيدة، مثله مثل وصف المطر وما يتلوه من غيث عميم يلجأ إليه طلاب المرعى، مدخل من المداخل التقليدية التي يوظفها الشعراء، فصيحهم وعاميهم، للولوج إلى موضوع المدح. انظر إلى قول ذي الرمة:
ونشوان من طول النعاس كأنه // بحبلين من مشطونة يتأرجح
إذا مات فوق الرحل أحييت روحه // بذكرك والعيس المراحيل رجح
وقول المجاشعي، وهو شاعر فصيح متأخر توفي عام 479، أورد له الباخرزي، الذي يلقبه شاعر الحرمين، مقطوعة منها (الباخرزي 1986، ج1: 37):
وركب نشاوى قد سقتهم يد الكرى // بكأس عقار فوق قود طلائح
وميل على الأكوار صيد كأنهم // سرى صبحوا الصهباء من كف صابح
فنبهتهم والنوم كحل عيونهم // بمدح نظام الملك أهل المدائح
وفي البيت الرابع والخمسين من القصيدة السابقة يلقب الشعيبي بركات "أبو بدر" وفي البيت الثامن والأربعين من القصيدة التالية يلقبه "بو علي"، كما يسمي أباه وجده وعمه في البيت السابع والخمسين.
وكما في القصيدة السابقة يبالغ الشعيبي في هذه القصيدة في تضخيم المتاعب والأهوال التي اجتازها ليصل إلى ممدوحه، بما في ذلك اضطرارهم لشرب الماء المالح كما يشير إلى ذلك البيتان الخامس والأربعون والسادس والأربعون واللذان يعودان بنا إلى نفس المعنى الذي تطرق إليه أبو حمزة في البيت الثالث من قصيدته التي يبدأها بقوله: طرقت أميم والقلوص سجودا. والجزاء طبعا على قدر المخاطرة والتعب، كما سبق وأن قلنا في تعليقنا على أبيات مماثلة مرت بنا في المقاطع الأخيرة من "الذهبية" لعامر السمين. وفي البيت الثاني والخمسين يرد ذكر الفيحا ويقصد بها البصرة، تلك المدينة التي لم يصلها الشعيبي ورفاقه إلا بعد أن أنضوا رواحلهم حتى لم تعد تستطيع الهرب من الإعياء، وبذلك فهم لم يعودوا مضطرين لقيدها بالعقل والحبال وأصبحوا يهمّـلونها حينما ينزلون في الضحى أو العشاء أو في وقت القيلولة.
وبعد الإطناب في وصف شجاعة بركات وسخائه ينتقل الشاعر من البيت السابع والسبعين إلى الاستجداء المباشر مدعيا أنه غارق في الديون، وربما يكون هذا الادعاء صحيحا وربما يكون مجرد حيلة مكشوفة، أو وسيلة فنية من الوسائل التي يلجأ إليها الشعراء لاستدرار عطف ممدوحيهم والذين يعرفون ذلك لكنهم يتـظاهرون لأريحيتهم وشهامتهم أن الحيلة انطلت عليهم فيجزلون العطاء للسائل. وفي البيت التاسع والسبعين يصف كرم مبارك وكثرة الضيوف الذين يطرقون منزله. فلربما يفد الوافد ويقيم ضيفا في منزل مبارك ويطول مثواه حتى تلد راحلته وحتى يستن حوارها، أي يشب وتشتد عضلاته ويقوى على الجري السريع، دون أن يسأله أحد من تكون أو أين أنت ذاهب أو غير ذلك من الأسئلة التي قد تسبب حرجا للضيف وتشعره بأنه أثقل الزيارة. وتقول الأسطورة إن الشعيبي أوفى بالنذر الذي قطعه على نفسه في البيتين الأخيرين وهو أنه سوف يجازي رواحله التي أوصلته بركات بأن يتركها تهيم على وجهها مع الوحوش في البراري حرة لا يمسها أحد لا لركب ولا حمل، وهذا يذكرنا بالسائبة والبحيرة. ولأول مرة في الشعر النبطي ترد في البيت الواحد والسبعين من هذه القصيدة إشارة مقتضبة للأسلحة النارية.
01) أطلب لأطلال الديار الممحلِ // يعتادها نوّ السعود المقبلِ
02) بالدلو هطّال السحاب محلتم // سحبٍ لكن بها السيوف تسلل
03) لجب الخيال لكن في جنباته // طبلٍ بسيرات الملوك يزلزل
04) يسقي ديارٍ حلّ في عرصاتها // سوّ البلا وامست بلاقيعٍ خْلي
05) دارٍ لحسنا بين سيطان اللوى // والسرّ والضاحي وبين مجزّل
06) لعبت بها غبر السنين وأصبحت // خليٍّ بلاقعها بهاها منجلي
07) حل البلا في ربعها وتغيّرت // مما شهدت من العمار وشهد لي
08) خليت حذا شروى الجماجم جثّم // سمر الجباه من امتحان المرجل
09) من عقب ما كانت تريف بحيّها // عساكرٍ وصهيل خيلٍ حيّل
10) ومراكبٍ عوجٍ وعزٍّ قاطب // يأمن بها المترحّل المتوجّل
11) وخرايدٍ خمص البطون نواعم // صافيتهن ايّام حظّي مقبل
12) جعد الذرى ياطول ما مازحتهن // أيام عجّات السفاه موجهلي
13) ياطول ما صافنّني وجفنّني // وخدمتهن على الرضا وخدمن لي
14) الين لاح الشيب فيّ انكرنني // والشيب لى من لاح ما يتبدّل
15) واليوم ما يصخن لي بنظرة // لو كنت مَلْكٍ بالنبوّه مرسل
16) وانا بحمد الله لو فارقنني // زل الصبى ودنا المشيب يعجّل
17) قرب المساجد للإله مجاور // خلف الإمام على الهدايه مقبل
18) يغنين عن تذكارهنّ خريدة // فيها الجمال اليوسفي مكمّل
19) ميّاحة الخصرين هافية الحشا // غرّا لكن حجاجها السجنجل
20) نشت بزومات الشباب منعّمه // بضلال منفوحٍ رفيع المنزل
21) طول الحياة وعن مصاريد الشتا // في كن ذاك المقلحزّ الأطول
22) تكسى المتون بقذلةٍ مغذيه // باطياب مسك وعنبرٍ وقرنفل
23) مع مقلةٍ نجلا وجيد فريدة // مع شفّة حمرا وحمٍّ ذبّل
24) ومذارعٍ فيها الأساور والحلي // والساق من عظم الردايف مثقل
25) ونواهدٍ يزهن صدرٍ ما لجا // فيه الجنين وخصرها متحمّل
26) وردف كما طعس النفود الى مشت // كلفٍ عليها بالقفا والمقبل
27) حيّالةٍ ميّالةٍ قتّالة // بالعشق من بوصالها متبدّل
28) مصيونةٍ عن كل عيب فاضح // في غيرها ومن العقال الثقّل
29) ما سامرت حي الفريق ولا بعد // يوم قواها حيلة المتحيّل
30) في غرّته ينباج نورٍ كنه // شمسٍ مشعشعةٍ تنير وتشعل
31) كنّي وقد شدّ الرحيل لحيّها // والجوخ يدنى والسوام تعزّل
32) والحي من واد الغضا متفاخت // ذا مجنبٍ عن ذا وهذا مشمل
33) خَلْيت منازلها ياكود رسومها // ولا عاد فيها من يحل ويرحل
34) سمح الزمان لنا بطيب وصالها // ثم انتحت عني بقاصي المنزل
35) باتت توادعني وبت كأنني // لحَمٍ على جال المليله يصطلي
36) ومعلّقٍ بي ناب راصد حيّه // مقذوف سمّه بالعظام مغلغل
37) ناديت ربعي للرحيل وقرّبوا // والكل منهم لي مطيعٍ مجمل
38) دنّوا قلاصٍ كنهن نعايم // يطربن صدر الوافد المترحّل
39) نهضن من دار القصيم قواصد // بي مطلع النجم الشمالي عن هلي
40) عشرٍ من اوطان القصيم نحثّها // مرٍّ تخبّ بنا ومرٍّ تهذل
41) وانا على هبّاعةٍ ربّاعة // تنفى مناسمها صليب الجندل
42) تْتِلّ الجرير بعزمها ويتلّها // كفّي وهي عند الرحيل تجفّل
43) واوزيتها في قطع كل تنوفة // تيها تكِلّ بها النضا وتململ
44) محلٍ محالاتٍ لكن اشجارها // شْوَشٍ على جنٍّ بخبث المنزل
45) متوقّمٍ ماء الصميل ولو بقى // همجٍ لكنه في مراجيلٍ غْلي
46) من منهلٍ مرّ الشراب لكنه // يخلط بماه الصبر هو والحنظل
47) وإلى شكوا طول المسير رباعتي // واستنعس النذل الهدان الزمّل
48) الهيتهم بعجايبٍ وغرايب // وتذكار كسّاب المروّه بو علي
49) حتى بقت نضواتنا لو أهملت // بِمْضَحّىً أو بِمْعَشّىً أو بمقيّلي
50) أمن الفؤاد من الشرود ولو بقت // بموثّقات حبالها لم تُعقل
51) ما تنتهض تقوى القيام ولو بغت // غِبّ السرى وتذارع الدوّ الخلِي
52) لفن بنا الفيحا وهن توالف // نضواتنا شروى الجريد النحّل
53) ألفن بنا بركات أبرك من مشى // الفارس الشهم الإمام الفيصل
54) من يوم قابلنا النجيب وبرّكن // باكناف من يلجي بذراه المبتلي
55) شيخٍ حوى طرق المعالي كلها // بشجاعةٍ ومروءةٍ وتفضّل
56) حاش المراجل والشجاعه والندى // إلى جذى عنها الردي الأخطل
57) من جده المحسن وابوه مبارك // تاج الملوك وعمه المولى علي
58) قيدوم كل سريّةٍ علوية // نبويّةٍ ما عن لقاها معزل
59) زيزومها ياما حمى من ساقه // سيفه إلى ذل الردي واستجفل
60) مرجف مقام الترك في أوطانها // لى جا محارمهم يدوس ويقتل
61) ياما رمى بين السويب وواصل // من راس روميٍّ لسبعٍ مرمل
62) قطّع سوابلهم وخلى اوطانهم // فيها الرغيف بدرهمٍ ما يحصل
63) وان ذعذع الثار القديم ولبّسوا // يوم الملاقى كل قبّا تعجل
64) حتم فلا ركب السروج ولا وطا // فوق الوطا من حافي ومتنعّل
65) شرواك يابركات لى من جرّدوا // بيض الضبا وحمي وطيس القسطل
66) لا عنترة عبسٍ ولا عمرو الدها // ولا حاتم الطائي ولا ابن الشمعل
67) أيضا ولا ابن الزبرقان ولا الذي // حبس الفوارس من يمينٍ عن علي
68) تلقى الحسيني والوجوه عوابس // يحظى حياض وطيس حامي الجحفل
69) من فوق نابية القطاة شْمِرّة // او قارحٍ سلم القيون معزّل
70) متقلّدٍ صافي الحديده صارم // يضحك إلى ما ناش حد المفصل
71) في ذات يومٍ قمطريرٍ باسه // حمي الرصاص وكل رمحٍ مرسل
72) والبيض من فوق الحنايا فرّع // والخيل من ضرب العوالي جفّل
73) وان غرّز ابكار العشار ولا لقوا // والدر به من كل مرزمةٍ خلي
74) فصحون مجده للضيوف مشرّعه // ذا فارغٍ منها وهذا ممتلي
75) وخلاف ذا يامن رقى درج العلا // لا زلت بالنصر القديم مشمّل
76) ياسيّدٍ من سيّدٍ متسلسل // بين البتول وبين طه والولي
77) ياسيّدي أندبك ندبة مدرك // بالحبس دونه ألف بابٍ مقفل
78) أو نادرٍ مطروح باتلى الساقه // كسر السلاما وايقن انه قد ولي
79) ياإبن من لقحت مطيّة ضيفه // واستنّ تابعها وهو ما يسأل
80) انا اتديّن في رجاك بحيله // لولاك ما دِيّنْت حبّة خردل
81) وانا لديون الزمان رهينة // ياسيدي وإليك عنها مجفلي
82) أيضا وعش واسلم ودم في نعمة // واقطع وصل وافصل بملكٍ واعدل
83) ترى المراجل صعبةٍ مرقاتها // لولا صعوبتها رقتها الزمّل
84) والمال لو هو عند عنزٍ شيورت // ويقال ياام قرين وين المنزل
85) ركايبٍ ودّنّنيك حقايق // ان يرتعن مع النعام الجفّل
86) يعفين عن شد الرحيل جزا لما // بلّغْنَنيك مع السعود المقبل
87) خذها لديك عروس شعرٍ ما حبت // لوصال غيرك ياشريف المنزل
88) بكرٍ عن اوباش الملا مصيونة // امست لشخصك يالحسيني تهذل
89) وختام قيلي بالصلاة على النبي // ما غرد القمري بصوته يعول
تتفق هذه القصيدة التي قالها الشعيبي في مدح الشريف بركات في البحر والقافية والنفس الشعري مع أول قصيدة أوردناها لأبي حمزة العامري يمدح فيها الشريف كبش بن منصور بن جماز لدرجة أن المخطوطات تخلط فيما بين القصيدتين في بعض الأبيات. هذا يوضح لنا إلى أي مدى يمكن القول بأن القصائد النبطية القديمة تشكل إرثا شعريا متناصا، متداخلا ومتشابها في عناصره وآلياته، وأن هذا الإرث يمثل امتدادا للإرث الكلاسيكي الذي ورثناه منذ العصر الجاهلي. تتفق قصائد شعراء النبط مع الشعراء الكلاسيكيين في مقدماتها الغزلية الطويلة. بل إن اتفاقهم يذهب إلى أبعد من ذلك؛ كلهم يتغزلون بطيف الحبيبة الذي يزورهم آخر الليل في القفار الموحشة حينما يحطون عن رحالهم التي أنضاها السفر وتحاول أجسادهم المنهكة وعيونهم المتعبة اختلاس جرعة من النوم. والتغزل بالطيف ليس فيه حرج ديني ولا اجتماعي لأن ما حصل ليس إلا مجرد حلم جميل. والأهم من ذلك من الناحية الفنية أن الشاعر من خلال موضوع الطيف يستطيع أن يرسم صورة مشخصة عن المتاعب والمخاطر والأهوال التي يخوضها والمسافات الشاسعة التي تبعده عن موطنه وعن حياة الرغد والنعيم مع من يحب. هذا التقابل بين الرخاء والشدة، بين الترف والشظف يشكل بناءا فنيا ممتازا، وهو أيضا وسيلة مؤثرة لتحريك عاطفة الممدوح واستجدائه. وتتداخل مواضيع الطيف والنسيب والأطلال والمطر لتشكل مع بعضها البعض مركّبا فنيا تتفاوت عناصره وجزئياته من قصيدة إلى أخرى بشكل يبرز فيه تفرد كل شاعر وتميزه من الناحية الإبداعية ولكن دون الخروج من دائرة التقليد.
ومثلما تتشابه قصائدهم في طريقة حبكها وفيما تتضمنه من مواضيع شعرية وما تتوسل به من أدوات فنية تتداخل أحداث السرد الأسطوري في حياة الشعراء القدامى ويتشابهون في الطريق الذي تسلكه شخصياتهم في انتقالها من عالم التاريخ إلى عالم الأسطورة، والذي يأتي عادة إما لسوء فهم الرواة وجمهورهم لمفردة من المفردات، كما مر بنا، وإما لتفسير حرفي يفرضونه على معنى مجازي أو صورة فنية متداولة أو موضوع تقليدي ورد في القصيدة. ومن مظاهر التفسير الحرفي اعتقاد الرواة أن تغزل الشاعر بالمرأة التي يورد اسمها في قصيدته يحكي تجربة حب شخصية خاضها مع فتاة حقيقية. وقد ألمحنا إلى الكيفية التي حيكت الأساطير فيها حول عشق الشعيبي لحسناء وأبي حمزة لأميمة. كما قد مر بنا أن مقدمة العليمي الغزلية في قصيدته التي يمدح فيها قطن بن قطن فهمها الرواة لا على أنها مجرد موضوع مكرر تفرضه تقاليد الشعر بل على أن العليمي لم يذهب أصلاً إلى قطن في عمان إلا ليستنجد به ويطلب حمايته ونجدته ضد ابن أمير العيينة الذي يحاول خطف زوجته التي يحبها والتي تحدث عنها في مقدمته الغزلية.
يقول بركات الشريف في قصيدته البائية بوصل الهاء:
قلته على بيتٍ قديمٍ سمعته // على مثل ما قال التميمي لصاحبه
إذا الخل أورى لك صدودٍ فأوره // صدودٍ ولو كانت جزالٍ وهايبه
هناك ما يشبه الإجماع بين رواة الشعر النبطي بأن ما يقصده الشريف بركات بذلك هو قول الشاعر:
من باعنا بالهجر بعناه بالنيا // ومن جَذّ حبلي ما وصلت رشاه
الاقفا جزا الاقفا ولا خير في فتى // يتبع هوى من لا يطيع هواه
ويرد هذان البيتان في قصيدة مثبتة في معظم مخطوطات الشعر النبطي وينسبها الرواة لشخص تسميه بعض المخطوطات عبدالرحمن وبعضها تسميه عبدالرحيم وبعضها تسميه ابن عبدالرحيم وينسبونه إلى تميم ويلقبونه بالمطوع ويقولون إنه من أهل وشيقر. ويسميه الشيخ صالح بن عثمان القاضي ابن عبدالرحيم ويقول إنه توفي عام 1015هـ. (القاضي 1414، ج1: 02). وفي مخطوطة حررها الشاعر المعروف جبر بن سيار في التاريخ والأنساب سماه ابن عبدالرحيم وأورد له بيتا من الشعر لم يرد عند غيره وهو:
يقول التميمي الذي رَدّ في الصبا // خباياه من بعد الصدير حيام
ولعل هذا البيت بداية القصيدة التي أثبتها سعود اليوسف في كتابه أشيقر والشعر العامي، وتبلغ عنده خمسة عشر بيتا تبدأ بهذا البيت:
ياجانيات العصفر الغض بالضحى // عليكن يانجل العيون سلام
ويورد اليوسف في كتابه (1416: 20-37) بعض الأخبار الظنية عن ابن عبدالرحيم ويورد له بعض القصائد قصيدتان منهما لم تقع عيني عليهما فيما اطلعت عليه من مخطوطات الشعر النبطي؛ واحدة منهما تلك التي أشرنا إليها آنفا والأخرى لامية من ستة وعشرين بيتا يقول مطلعها:
حورية العين حورا الجبين // من البدو من شافها يهبل
إن عنت يَمّ بدوٍ فيدنى لها // ظِلّةٍ حس جرسانها يعول
وللتميمي حكاية غريبة أقرب إلى النسج الأسطوري منها إلى الواقع التاريخي. يقولون إنه هام بحب فتاة بارعة الجمال لكنها لا تكافئه في النسب، فهي ابنة صائغ وهو من قبيلة تميم، فتزوجها سرا. ولما علم أهله بذلك حاولوا إرغامه على طلاقها فامتنع. فاصطحبوه معهم في أحد أسفارهم ونيتهم أن يجبروه على طلاق الفتاة أو يقتلوه. ولما وصلوا الدهناء صارحوه بخطتهم فطلب منهم أن يتركوه لوحده ليصلي صلاة الاستخارة. فصعد كثيبا رمليا "نقا" قريبا منهم ولما اعتلاه رأى ظبية ذكرته بفتاته وبجمالها وتأكد لديه أنه لن يستطيع أن يمحو حبها من قلبه. فقام بقطع أصبعه وكتب بدمه، قبل أن ينزف ويموت، قصيدة غزلية رقيقة من أجمل ما قيل في الشعر النبطي. وتقول الرواية إن ذلك النقا لا زال يعرف بـ"نقا المطوع". (الفهيد 1398: 200، ابن خميس 1407: 471). وفي كتابه كيف يموت العشاق يورد الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل أشعار المطوع ويناقش حكاية عشقه نقاشا مستفيضا يخلص منه إلى أن الحكاية محض خيال وأسطورة لا تمت للواقع التاريخي بأي صلة (1418: 394-457).
وسواء أكان التميمي شخصية حقيقية أم خيالية فإن استشهاد الشريف بركات بأبيات من قصيدة يفترض أنه قالها يقوم دليلا على تداول القصيدة والقصة المتعلقة بها في ذلك العصر، وعلى هذا الأساس رأينا إدراج الأشعار المنسوبة للتميمي هذا في الحقبة الجبرية، خصوصا أنها مثبتة في مخطوطات هوبير، أقدم مخطوطات الشعر النبطي، وغيرها من المخطوطات. ومما يدعم هذا الرأي أن القصائد المنسوبة إلى التميمي تنسجم في مضمونها ومفرداتها مع الموروث الشعري الذي وصلنا من الفترة الجبرية، فأنت تجد في هذه القصائد مفردات وعبارات مثل "جما" و"ميقات موسى" وغيرها مما كان شائعا في أشعار الحقبة الجبرية ثم ينقرض استعمالها في الحقب اللاحقة. وذكر العقيليين في هذه الأشعار وعدم ذكر القيسيين ربما يوحي بأنها قيلت بعد الحقبة العيونية بعدما استتب الأمر للعقيليين، أي الجبريين.
01) يقول التميمي والذي شَبّ مترف // مدى العمر ما شا في زمانه جاه
02) ياركب ياللي من عقيلٍ تقلّلوا // من نجد للريف المريف مداه
03) حْدَروا بنا من جَوّ عِكْلٍ وقوّضوا // على كل هباع اليدين خْطاه
04) علاكِم تِجِدّ السير لكن وصفها // الى هْكَعَن بالريدا احلّي سراه
05) صليخة نجمٍ هدّها فجثمت // على الأرض من عالى السما بوطاه
06) ياأيها الركب الذي كل ما غبى // يبين لي من جانبيه جماه
07) ثلاثٍ كنقاط الثا على جال موقه // يطير من نسم الرياح هباه
08) فلما ان جوا الدهنا والانسان ما له // ملاذٍ وما يكتب عليه وطاه
09) لقوا شادنٍ في زريها مستكنّه // حماه عن لفح السموم ذراه
10) كنس طلعة الجوزا والاطلال ما جزى // صروف الليالي وامتحان قضاه
11) غشاها لذيذ النوم والنوم كم غشى // من القوم حذرٍ وايتلوه عداه
12) خذوها فلا بالرمح زرقٍ ولا العصا // ولا دْفَنوا لها حبل العقال تطاه
13) فقلت لخلاني ومثلي لمثلهم // يشكي إلى من الزمان وطاه
14) دعوها تخوض الغَيّ والغَيّ غِيّه // يموت الفتى فيه وينول مناه
15) ياشمل يامامونة الهجن هوذلي // إلى دار من يصعب علَيّ لقاه
16) دقاق حجل الطوق ياناق وان طرى // على البال زاده من عناه بلاه
17) خليلي إلى شافن تبسّم واستحى // ويضفي على الوجه السميح غطاه
18) محى الله قصرٍ حال بيني وبينه // بنجمٍ من المولى يهدّ بْناه
19) باغٍ ليا هَدّ العلي من ركونه // وذَهْلن عطرات الجيوب حياه
20) يظهر خليلي حاسرٍ من ربوعه // هذاك غايات الفتى ومناه
21) يارب تجعل رجفةٍ تجمع الملا // عسى بها خلّي يطير غطاه
22) ألى واعنا عيني إلى ريت صاحبي // جليسٍ لغيري واحترمت لقاه
23) وسيره ممروعٍ لغيري ويهتوي // وساقيه ما ينحى علَيّ بماه
24) دع ذا وسل والي السما في محلتم // سرى يشعق الظلما رواق سناه
25) لكن بامر الله يوم تطلّقت // عزاليه واضفى بالسحاب رداه
26) حوارك تبني في الزعازيع زجّها // من الريح زعّاجٍ بِزِجّ سِفاه
27) غطى ما وطى والى غطى بعد ما وطى // غطى ما وطى واللي وطاه غطاه
28) محى ما نحى والى محى بعد ما نحى // محى ما نحى واللي نحاه محاه
29) نفا ما غثا والى نفا بعد ما غثا // نفا ما غثا واللي غثاه نفاه
30) عصى ما نصا والى عصى بعد ما نصى // عصى ما نصى واللي نصاه عصاه
31) ان كان لي ظنٍّ وبالظن هاجس // قد حال بين البازمين غثاه
32) فالى مضى ميقات موسى وضفدعت // مغانيه واخضرّت عليه شباه
33) إلى ما الثريا في سنا الصبح كنها // وشاحٍ جلا سوف اليدين صداه
34) وقابلت الجوزا لكن نظيمه // تتابع غزلان المها وظْباه
35) وقابلت الشعرا ومن منك الصبا // وهب من ارياح السعود صباه
36) وقابلت نجم الجليسين ظاهر // ولاح سهيلٍ من جنوب سماه
37) تقلّل عن خبري وما كنت عاهد // وحالت عْدانا بيننا وعْداه
38) من باعنا بالهجر بعناه بالنيا // ومن جَذّ حبلي ما وصلت رْشاه
39) الاقفا جزا الاقفا ولا خير في فتى // يتبع هوى من لا يطيع هواه
40) خليلي يشادي خاتم العاج وسطه // غدى مزق لولا ان البريم زواه
41) خليلي خلا قلبي من الولف غيره // وعفت الاخله والخدون حْذاه
42) فلا واعلا حيث ان لقياه منوتي // لعله إلى شافن بقيت مناه
43) فلا واعلا حيث العزا منه بايح // لعله إلى شافن يبيح عزاه
44) خليلي لو جا البحر بيني وبينه // حذفت نفسي فوق لجة ماه
45) خليلي لو يزرع زْريعٍ سقيته // بالدمع وان شح السحاب بماه
46) خليلي لو يرعى الجراد رعيته // واسرّحه واهظّله على هواه
47) خليلي لو ياطا على جمرة الغضا // وطيت ما ياطا وجيت حْذاه
48) خليلي لو يذلق على الشري ريقه // غدى عسلٍ واغنى التجار شراه
49) خليلي لو ياطا على قبر ميت // تكلم راعى القبر حين وطاه
50) خليلي معسول الشفاتين فاتني // كما فات لقّاي الدلي رشاه
51) كن عن دقاق الشوق حذرٍ ولا تكن // دنوعٍ إلى حَدّ الفطام غْذاه
52) اذا لم يكن يبلغ ثلاثٍ مع اربع // وعشرٍ فلا يشفي الفؤاد لقاه
53) إذا لم يكن هلباجةٍ ما يهمّها // دينٍ ولا بينٍ يشط لماه
54) تعاديه ما يدري تصافيه ما درى // ما سمع من غالي الحديث حكاه
55) ألى واوجعي واطول عصرٍ مضى إلى // مِدى العمر ما يدرى بداي وداه
56) فعضّيت من حِرّ الشكيه أناملي // وقلت آه من حر المصيبه آه
57) ولو ان قولة آه تبري مواجعي // كثّرت انا في ضامري قول آه
وتشبيه الشاعر سرعة الركب بسرعة النجم المنقض من السماء تشبيه غريب لكنه غير نادر الوجود في الشعر النبطي فهو يتكرر مثلا في البيتين التاسع عشر والعشرين من قصيدة عبدالله السيد التي قالها في مدح الإمام سعود بن عبدالعزيز والتي سنوردها في فصل لاحق. كما نجده في قصيدة وجهها سرداح بن هزاع لمحسن الهزاني يقول فيها يصف الذلول:
أو فرخ ما توّه على الصيد جايع // أمس الضحى من كف راعيه ضايع
أو نقنقٍ له بعض الازوال رايع // أو نجم داوي قَضّ في راس شيطان
وفي الأبيات الثامن عشر حتى الواحد والعشرين يتمنى الشاعر أن يسقط على قصر حبيبه نجم يدكه ويهد أركانه كما يدعو عليه بالرجفة والزلزلة. وهذا من الأساليب المتبعة عند شعراء النبط، ومنهم من يتمنى لو شن الأعداء غارة شعواء على أهل الحبيب؛ كل ذلك رغبة منهم في أن تذهل المحبوبة ويصيبها الرعب فينحسر لثامها وينكشف غطاؤها ليتمتع الشاعر برؤية وجهها وأجزاء من جسدها. ومنهم من يدعو على دار الحبيب بالسيل الغزير والغرق، كما عند الهزاني، حتى يضطر الحبيب إلى الخوض في الماء والكشف عن ساقيه ليتمتع الشاعر برؤيتهما، كما في قول جري الجنوبي:
ضحى شفتها بالسيل في عرصة النيا // تخوض مع البيض العذارى غديره
يخوضن خوض الوز بالما وبان لي // حلايا لمجمول الحلا من ستيره
هذه ليست إلا موتيفات شعرية ومواقف تصويرية لا يقصد منها الرغبة في إلحاق الأذى بالحبيبة أو بأهلها وديارها وإنما مجرد تخيل أي فرصة، مهما كانت وتحت أي الظروف، يمكن أن تسنح ويغتنمها الشاعر للتمتع بمفاتن المحبوبة حينما تذهل سترها. وهذا قريب الصلة بالمواقف التي يصورها الشعراء لما يحدث في الحرم نتيجة الزحام وتداحم الرجال والنساء أثناء السعي والطواف أو حينما تكشف إحدى الحسناوات عن وجهها لتقبل الحجر الأسود أو ما يحدث في الأعياد وغير ذلك من المناسبات التي تتجمل فيها النساء والفتيات ويتحللن من بعض القيود الصارمة فيما يتعلق بإظهار المحاسن والرقص والغناء وما إلى ذلك.
ونسبة الخوارق إلى المحبوب كما في قوله "حبيبي لو ياطا على قبر ميت" من المواضيع المطروقة في الشعر العربي القديم، كما في قول عمر بن أبي ربيعة:
ولو تفلت في البحر والبحر مالح // لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
وقوله:
لو سقي الأموات ريقتها // بعد كأس الموت لانتشروا
وقول جميل بثينة:
مفلجة الأنياب لو أن ريقها // يداوى به الموتى لقاموا من القبر
وقد مر بنا أن الأسطورة غالبا ما تنشأ من محاولة الرواة الشعبيين إضفاء تفسير حرفي على العناصر الفنية في القصيدة وعلى لغتها المجازية. ولو تأملنا أبيات القصيدة السابقة لوجدنا فيها ذكرا لركب يمر من الدهناء ويصادف في طريقه ظبية مختبأة في كناسها. ربما تكون هذه هي البذرة التي نبتت منها أسطورة التميمي مع إبنة الصائغ. ويورد الرواة هائية التميمي السالفة كشاهد على قصة انتحاره حينما حاول أهله الضغط عليه وإجباره على طلاق محبوبته. ويفسر بعض القصاصين الشطر الثاني من البيت الرابع والخمسين بقولهم إن ابن عبدالرحيم لما تزوج بنت الصائغ، وكانت صغيرة السن، حذرها من إفشاء سر زواجه منها. وفي إحدى المرات ذهبت البنت إلى بستان زوجها في غيابه لجني بعض الخضروات أو الفواكه فانتهرتها أخت زوجها، والتي لم تكن علمت بعد بزواج أخيها من الفتاة، فقالت الفتاة: أنا لم أسرق فهذا بستان زوجي. فعرفت الأخت بحقيقة الأمر وأخبرت أهلها بهذا السر الخطير مما أودى بحياة الشاعر. ولا نجد في القصيدة ذكرا للنقا الذي تقول القصة إن المطوع صعده ليكتب قصيدته قبل أن ينهي حياته. لكننا نجد إشارة لذلك في البيت الأخير من القصيدة اللامية التي نشرها سعود اليوسف والذي يقول:
شربت الحمام قضيت النحب // براس أبرقٍ نايفٍ معتلي
وفي قصيدة أخرى تنسب للشخصية نفسها يرد ذكر وشيقر مما يجعلنا نتساءل هل هو فعلا من أهالي وشيقر أم أن مجرد ورود الاسم في القصيدة كاف لينسبه الرواة إلى هذا المكان، كعادتهم في إعطاء المجازات الشعرية والاستعارات البلاغية تفسيرا حرفيا. والقصيدة تتفق في بحرها وقافيتها مع قصيدة لحميدان الشاعر ومع قصيدة ينسبها الرواة للشريف شكر بن هاشم، لذلك تتداخل أبيات هذه القصائد الثلاث مع بعضها البعض. وهذه الأبيات المنسوبة للتميمي:
01) ألى ياحماماتٍ بعالي وشيقر // وراكن فرقٍ والحمام ربوع
02) ألى ياحماماتٍ بليتن بنادر // حِرٍّ خطوفٍ صاطيٍ به جوع
03) وراكن ما تبكن خِلٍّ غدى لي // وتِهِلّن من أعيانكن دموع
04) ألى واسفا بالجازي ام محمد // فارقتها واثر الفراق يروع
05) حليّها بالوصف ياجاهلٍ بها // شحم الكلى بين اليدين يموع
06) بكيت عليها لين حرقت نواظري // ولا نيب من أمر الاله جزوع
07) ألى يامشيحينٍ بدنياكم ايقنوا // وراكم حصاصيدٍ تَحَصْد زروع
08) ترى ما يدٍ الا يد الله فوقها // ولا طايرات الا وهن وقوع
09) ولا ضحكٍ الا والبكا مردفٍ له // ولا شبعه الا مقتفيها جوع
10) فلا بد عقب الجوع لي من شباعه // ولا بد من عقب الشباعه جوع
11) ولا بد عقب الدهر من وابل الحيا // ومن بارقٍ يوضي سناه لموع
12) تمنيت لا حافاني الله بالمنى // إلى لي بواليد الحديد ظْلوع
13) يردن قلبٍ طار من مستكنه // قلبٍ على فرقى الخليل جزوع
وذكر الجازية أم محمد في القصيدة واتفاقها في البحر والقافية مع قصيدة ينسبها الرواة للشريف شكر بن هاشم يثير العديد من الأسئلة. وسبق أن أوردنا نصا لابن خلدون يذكر فيه أن من القصص التي يحتفي بها الهلاليون قصة الجازية، أخت حسن بن سرحان، التي يتزوجها الشريف ابن هاشم المدعو شكر بن أبي الفتوح وتنجب له غلاما اسمه محمد. ويورد ابن خلدون القصة كمثال على الأخبار المصنوعة التي لا يوثق بها تاريخيا. ولا يزال الرواة عندنا يتناقلون هذه القصة. ومما يزيد في حيرتنا ورود اسم شكر في قصيدة ثالثة منسوبة للتميمي تقول:
01) أبحت العزا ياشَكِر في راس مرقب // وجرّيت بالحانٍ علَيّ عْجاب
02) على مثل غصن الموز غَضٍّ شبابه // يقود الهوى بين اشفتين عذاب
03) بايعتها والسوق بيني وبينه // والبيع في بعض الأمور كْذاب
04) ولحقته إلى باب العطيفات ظاهر // إلينه غدى بين البيوت ذهاب
05) وهو باديٍ وانا مع الحضر قاعد // وطرد البوادي للحضور عذاب
06) فياليت زمل البدو يوم رحيله // تكون في ذاك النهار ذهاب
07) نطحني غِب السيل بالوادي الذي // إلى قلت أنحى في مسيله هاب
08) نشدته من يعزى عليه وقال لي // أنا من عقيلٍ ما علَيّ طلاب
09) وقفّى يخوض الما بخمصٍ نواعم // وساقين فيهن الحجول لباب
10) كشف عن ردوفٍ لكنهن // طعسين رملٍ علّهن سحاب
11) تبسّم عن عْذابٍ وغِرٍّ ذوابل // يردّن من عاف السفاه وتاب
12) واقول تقطيف الثمر من غصونه // يزيد الفتى ما دام فيه شباب
13) وانا اقول جنات ومن لا جنى الثمر // يخيب ومن لا ذاق جنيه خاب
14) ألى ياحمامات النجيمي وما حلى // غْناكن لولا ان الضمير مصاب
15) مصاب من عينٍ وخدٍّ ومبسم // وجيد ومجدول زهاه خضاب
16) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ وهل سحاب
وهذه أبيات من القصيدة العينية التي يتداولها الرواة الشعبيون وينسبونها إلى الشريف شكر بن هاشم ويقولون إنه قالها يتحرق على فراق الجازية. وتصنيفه للبشر في القصيدة بين من يود رؤيتهم ومن لا يود رؤيتهم يذكرنا بقصيدة المهادي ومقارنته بين الأجواد والأنذال:
01) يقول الفتى شَكْر الشريف ابن هاشم // شوف الديار الخاليات يروع
02) نطّيت انا سندا سنودٍ من النيا // وهلّيت من حجر العيون دْموع
03) يا طقّت الوسطى بهامي تذكّرَت // عصرٍ مضى ما عاد فيه رجوع
04) ياماض لا دب الحيا في دياركم // ولا جاه من نجد العذيّ نجوع
05) نجوعٍ إلى وردوا عليكم تهضّموا // وان صدّروا ما وادعوك ودوع
06) زينين لى وردوا وشينين لى قفوا // يحطّون قلب العاشقين ولوع
07) نجوعٍ إلى جا صايحٍ يم اهلهم // يجونك حماقا لابسين دروع
08) من الناس ناسٍ ما أبالي ولو غدوا // وناسٍ إلى راحوا نهل دموع
09) ومن الناس نوّار الربيع إلى زهى // تضل البوادي في هواه نجوع
10) ومن الناس طلع التين حلوٍ مذاقه // إلى ذاقه الجيعان ظل هنوع
11) ومن الناس طلع الشري مِرٍّ مذاقه // إلى ذاقه الجيعان ظل يزوع
12) ألى ياحماماتٍ بوادي دِمْشِق // أراكن شتاتٍ والحمام جموع
13) هو ليه ما تبكن من فقد صاحبي // وتهلّن ياورق الحمام دموع
14) بليتن يافرق الحمام بنادر // من الجوّ مِهْذابٍ رمى به جوع
15) لكن عطيط الريش من حد مخلبه // كما حفّ زراعٍ يحف زروع
16) ألى يانخلات الغي في دار عامر // ياعل الحيا يسقي لكن فروع
17) ياطول ما نلقى بكن صاحبٍ لنا // صخيف الحشا طلق اللسان هلوع
18) صخيف الحشا ما بات بلشٍ من العشا // ولا بات قويانٍ بليلة جوع
19) تريّض يارهو العراق نقول لك // لعلك يارهو العراق سموع
20) تريّض يارهو الذي جا دليله // من الشام خفّاق الجناح لموع
21) يغاغي مغاغات الرضيع مع امه // وهن مخاضيعٍ بغير وقوع
22) يقول الفتى شكر الشريف ابن هاشم // ما طرب الا مقتفيه فجوع
23) ولا ضحكٍ الا والبكا مردف له // ولا شبعه الا مقتفيها جوع
24) ولا من يدٍ إلا يد الله فوقها // ولا طايرات الا وهن وقوع
25) ثمانين انا صافيت بيضا غريره // لكن ملاقى آفامهن شموع
26) خمسين مهضومات الاوساط رِجّح // يدسن الهوى في قلب كل ولوع
27) وثلاثين منهن تو ما بدا لهن // صغارٍ وتو اثمارهن طلوع
28) ولا عاضني بالجازي ام محمد // عليها ثياب الطيلسان لموع
29) هلاليّةٍ ما دقت العرن بالصفا // شحم الكلى بين اليدين يموع
30) يحرم علي اكل الثلاث كوامل // لو قيل فيهن الدوا ونفوع
31) منهن عيني كل ما نامت الملا // تهل وتملا الحاجرين دموع
32) ومنهن كبدي كل ما زامها الطنى // يعزى لها بعض المرار تفوع
33) ومنهن قلبي كل ما حل ذكره // يحاول ما بين الظلوع طلوع
34) وانا كما حرٍّ على الصيد عالم // حرٍّ ليا بار الزمان رثوع
35) العنك رجلٍ ما يصيبك الطنى // هذاك يحسب بالرجال رتوع
36) يا صار ما تبريه بمجاول السبا // ورمحٍ شطير وهنديٍّ لموع
37) يحرم علي سقاي ضيفي إلى بكى // لو هل بين الحاجرين دموع
38) ما اسقيه الا در حمرا سمينه // جذعيّةٍ وقت العتيم طيوع
39) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ وكل اسبوع
وقصيدة الشريف شكر ترد في المصادر المخطوطة والشفهية بروايات مختلفة. والطريف أن بعض هذه الروايات يلحق بالقصيدة أبياتا يوضح فيها الشريف سبب شربه للدخان، ومعلوم أن شرب الدخان ظاهرة متأخرة نسبيا. وهذا مثال على مدى ما تتعرض له المادة الشعبية جراء الرواية الشفهية من تحوير وتغيير وعلى ميل الراوية الشعبي، بوعي منه أو بدون وعي، إلى تحديث المادة الشعبية لتتواءم مع معطيات العصر. تقول بعض الأبيات:
ياشاربين التتن لا تشربونه // قليل الحلا ويزاود الملقوع
شربته من وجلا الجازية ام محمد // غديه يبري علّته وشْنوع
ومثلما استشهد الشريف بركات بأبيات من قصيدة منسوبة للتميمي يأتي رميزان بعده ليستشهد بأبيات من قصيدة لفيصل الجميلي في قوله:
قلته على بيت الجميلي فيصل // والامثال يرثاها من الناس فاهمه
يعد عن الفٍ بالملاقى وكم وكم // قرى الألف في عسرٍ من الدهر زاحمه
قال رميزان قصيدته يرثي بها أخاه محمداً الذي توفي بعد عودته من الحج. أما فيصل الجميلي فله قصيدة يرثي فيها أخاه هجرس الذي لدغته حية فمات. وفي تقديمه لقصيدة فيصل الجميلي في رثاء أخيه هجرس يقول منديل الفهيد "من أبيات لفيصل الجميلي من سبيع أهل الخرمة يرثي أخاه الشجاع هجرس عندما مات لديغا وكان جاليا لدم عليه وقد جرت له بطولات في غربته." (الفهيد 1403: 47). ويورد ابن خميس في كتابهمن أحاديث السمر (1397: 34-35) قصة المثل "رمح الجميلات في فرسهم" وبطل القصة شخص يدعى فيصل الجميلي ذكر ابن خميس أنه ربما يكون من جميلة وربما يكون من بني صخر. وفي تاريخ اليمامة ينسب ابن خميس فيصل الجميلي الذي نحن بصدده إلى قبيلة جميلة من عنزة التي كانت تقطن الهدار في الأفلاج قديما. (ابن خميس 1407: 479). ويورد ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار جميلة من ضمن القبائل التي تسكن منطقة العارض. (الجاسر 1401-1402: 779). أما عبدالله بن عبار العنزي فيؤكد أن فيصل الجميلي من الجميلات من عنزه ويورد له بعض الحكايات والأشعار (1412: 87-94). وندرج فيصل الجميلي ضمن شعراء الحقبة الجبرية لأن رميزان، الذي جاء بعده واستشهد بأبياته، توفي مع بدء الحقبة الغريرية التي تأتي بعد الحقبة الجبرية. وهذه قصيدة فيصل الجميلي في رثاء أخيه هجرس:
01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // وهو موقفٍ والدمع جارٍ وحايم
02) وقفت وعاج الركب لي روس ضمّر // نصيفين منهم عاذلٍ لي ولايم
03) ياراعي القبر الذي فوقه الحصى // لعلك في خلد الجنان النعايم
04) جنيت الجنايا ثم خلّيتني لها // على الدار مظهودٍ كثير الجرايم
05) أبكي على هجرس الى ما ذكرته // أعْوِل ولا كنه مسوٍّ جرايم
06) ألى ياوخوي عند ازغر العين جاده // قريص الافاعي دافقات السمايم
07) ليته كفاني شر بقعا وليتني // كفيته مِغْبَرّ القبور الهدايم
08) كنه ما غنّى لركبٍ عشيه // على فاطرٍ حضّايةٍ للغنايم
09) وكنه ما قاد السبايا ولا غزا // صغيرٍ ويتلونه كبار العمايم
10) وكنه ما بدّى بجزواه غيره // وبات ظميانٍ مع الناس نايم
11) وكنه ما عشّى القوايا ذلوله // وبات محرّمها يقول انا صايم
12) تصوم رحى البدو من عقب هجرس // وتفطر الى جا هجرسٍ بالغنايم
13) حشّاش لى حشّوا وروّاي لى رووا // وريفٍ لنا يوم الدهور العظايسم
14) استنّت العدوان من عقب هجرس // علينا تثاري بالديون القدايم
15) استنّوا العيال من عقب موته // كما استن بالريدا صليب القوايم
ولفيصل الجميلي قصيدة أخرى يأتي فيها على ذكر أخيه هجرس يقول فيها:
01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // وراسه من لَيّ العمامه باد
02) يبيد الفتى ما بين يومٍ وليله // يبيد وهو ما يحسب انه باد
03) الايام ابادني وابادن هجرس // وابادن شدّاد بن عاد وباد
04) نهارٍ وليلٍ ذا لهذا طروده // غدن بْشِرّاتي وهن جداد
05) انا كل ما خايلت بالعين مربع // الى انه قبلي للرجال مراد
06) الى قلت هذا مربعٍ ما يجونه // الى ان اثرهم درّسٍ وجْداد
07) محا الله ياصبيان مخلّي قلوصه // من عْقاله ولا باليدين قياد
08) محا الله قيدٍ غرّني من زمالتي // مَنّين واثر احد المناين باد
09) تناوشتها وانا من الموت خايف // الى ان خطاها عن خطاي بعاد
10) وانا سبب ذبحي على الما حمامه // مخضّبةٍ ورقا رِبُوّة واد
11) انا صادرٍ علّقت حوضي بمنكبي // وخلّيتها للي دْلاه جداد
12) الى مت حطّوني على جال منهل // عذيّ الجبا دُبّ الزمان يراد
13) حطّوا على قبري ثمانٍ صفايح // يبيد الفتى واسمالهن جْداد
14) باغٍ الى مرّت علَيّ ظعاين // ظعاين بدوٍ قاصدين بْلاد
15) يقولون راع القبر ياما من الصخا // وراعى الصخا دُبّ الليال يراد
الأبيات الثلاثة الأخيرة تذكرنا بالأبيات الأخيرة من لامية أبي حمزة التي مطلعها: حي المنازل منقادات الاطلالِ؛ كما أن البيتين الخامس والسادس يذكراننا بقول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم. فالشاعر هنا يريد أن يقول إنه ليس من السهل على المبدع أن يأتي بشيء جديد لم يسبق إليه. والأبيات السابع والثامن والتاسع تذكرنا بقصة وأبيات ينسبها الرواة إلى شايع الأمسح الذي شردت منه مطيته وهو مسافر في فصل الصيف في إحدى المفازات الموحشة القاحلة.
ونجد في مخطوطات العمري مقطوعتين قصيرتين لفيصل الجميلي لا نجدهما في باقي المخطوطات. من المقطوعة الأولى قوله:
01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // ما للعذارى بالجميل عْهود
02) عافنّ شيخٍ يطعن الخيل بالقنا // يذبح ويرمي بالعجاج ركود
03) منهن جنّاتٍ تداعج نهوره // ومنهن نيرانٍ بغير وْقود
04) ومنهن من تسوى ثمانين بكره // ومنهن من ترخص بقيد قعود
وقد وجدت البيت الأخير عند منديل الفهيد (1413، ج6: 61) ضمن قصيدة منسوبة لدليان عبد ابن فاضل. كما يتفق البيتان الأخيران في معناهما وصياغتهما مع بيتين وجدتهما في تاريخ المستبصر لابن المجاور (ابن المجاور 1951: 226). والتاريخ عبارة عن وصف لرحلة قام بها ابن المجاور لليمن ابتداء من الحجاز وانتهاء بعمان والبحرين وذلك في العقد الثاني أو الثالث من القرن السابع، مما يعني أن البيتين قيلا في بداية القرن السابع أو قبل ذلك. والكلمة الأخيرة في الشطر الثاني تصغير "بزر"، أي طفل صغير. يقول البيتان:
ففيهن من تسوى ثمانين بكرة // وفيهن من تسوى عقال بعير
وفيهن من لا بيض الله وجهها // إذا قعدت بين النساء بزير
وهذه هي المقطوعة الأخرى التي وجدتها عند العمري لفيصل الجميلي:
01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // على دالهاتٍ كنهن جْمال
02) لهن ظلالٍ بالضحى تابعاته // ومستتبعاتٍ بالعشيّ ظْلال
03) ترى ديرتي بالوصف ياجاهلٍ بها // عليها من فيّ العرين ظلال
04) يجيها مالٍ من نعومه وارد // مالٍ يجيها أوَيّ والله مال
05) مربّيته الصبيان نثّارة الدما // ويبرى له قبٍّ كنهن سْيال
ويورد ابن عبار (1412: 90) قصيدة ينسبها لفيصل الجميلي تبلغ ثلاثة عشر بيتا شبيهة بالأبيات السابقة منها قوله:
01) قال الجميلي والجميلي فيصل // والراس من تحت العمامه مال
02) قعدت في سوق العراقين جالس // لا سايلٍ حيٍّ ولا من سال
03) وجدي على ربعي على اكوار ضمر // على دالهاتٍ كنهن جْمال
04) عليهن من اولاد الجميلات غلمه // عشرين منهم ينطحون حْلال
05) لهن ظلالٍ بالضحى طارداته // ومستقفياتٍ بالعصير ظلال
06) ترى ديرتي ياجاهلينٍ بديرتي // عنها الجبال النايفات شمال
07) ملكت بالهدّار تسعين عيلم // مسايله بالريف يوم تسال
ويورد ابن عبار حكاية عن مغامرات فيصل الجميلي وزواجه من فتاة تدعى جهم. وبعد أن ولدت له ثلاثة أولاد حن إلى أهله ووطنه فودع زوجته ونظم قصيدة يوصيها فيها أن لا تتزوج إلا من الرجال الطيبين. يقول مطلع القصيدة:
ياجهم لى شامت بنا منك نيّه // حذار من ادباش الرجال حذار
وفي الجزء الخامس من مجموعه يورد الشيخ منديل الفهيد (1411: 220) بيتا واحدا يقول إنه مطلع قصيدة لفيصل الجميلي وهو:
قال الجميلي والذي بات ما غفا // عينه غَمَر ريش المواقي دموعها
وفي الجزء الثاني من كتابه معجم اليمامة يورد الشيخ ابن خميس (1400: 453) تحت مادة الهدار بيتين من قصيدة يقول إنها لفيصل الجميلي يبدو من قافيتها ووزنها أنها من ضمن القصيدة التي أورد منديل الفهيد مطلعها، والبيتان هما:
لي ديرةٍ بين الوطاة وخرطم // سقاها الحيا وابتلّ بالما فروعها
سقاها الحيا من مزنةٍ عقربية // يطم الحيا من فوق عالي جزوعها
وقد أورد ابن عبار القصيدة، وهي تبلغ عنده خمسة وعشرين بيتا، وقال إن الشاعر يخاطب في القصيدة ابنه حماد (1412: 93-94)، وقد وجدت القصيدة نفسها برواية مختلفة في مخطوطة سليمان الدخيل منسوبة إلى شخص سماه غنام بن سيف الجميلي وبلغت عنده أربعة وثلاثين بيتا. وتدور معاني القصيدة حول الشكوى من المشيب وما يصحبه من وهن وضعف. ويرد اسم حماد في البيت الخامس والعشرين، إلا أنه من غير الواضح طبيعة العلاقة التي تربط الشاعر بهذا الشخص، كما يرد في البيت الثلاثين اسم شخص آخر يدعى أبو حسين، والاثنان لا شك أنهما من جماعته. وقد رد على القصيدة شخص يدعى عبدالله بن زيزير لا نعرف عنه شيئا. ويبعث الشاعر قصيدته إلى جماعته الذين يدعوهم في البيت الثالث والعشرين "أولاد بدر" مما يدل على أنه قالها وهو بعيد عنهم في الغربة أو جلاوي. وهذا ما وجدناه في مخطوطة الدخيل:
01) يقول الجميلي الذي بات ما غفا // بعينٍ برى ريش المواقي دموعها
02) جهوشٍ بجار الما إلى نامت الملا // قليلٍ على طول الليالي هجوعها
03) فلا ادري أنا ابكى العمر أو لام خِلّه // أو ابكي على روحي وحَلْوا طبوعها
04) ياليت الصبا وانا إلى الله راجع // ورُبّت نفسٍ راشدٍ في رجوعها
05) على ديرةٍ بين الوطاة وخرطم // سقاها الحيا وافتنّ عالي فروعها
06) سقاها الحيا من ليلةٍ عقربيه // يجي سيلها من فوق عالي جزوعها
07) إلى من نشت من لفق واقتادها الحيا // لكن مشاعيل المصارى لموعها
08) من النير والشعرا إلى وادي اللوى // إلى روضة المغنى سقى الما زروعها
09) حمينا رباها من عدانا بفعلنا // بضرب اليمانيّات نحمى ربوعها
10) أقمت بها وانا صبيٍّ وشايب // إلى شب من نار المعادي لموعها
11) فعدت لها عن كل ما كان عايف // والاشيا إلى رب البرايا وقوعها
12) ولا هْمزت رجلي إلى بيت جارتي // إلى زارها من لا يداري شنوعها
13) وان اغتاض جاري صار نومي مشافق // أخاف على روحي معانٍ تصوعها
14) أقمت بها تسعين عامٍ وصابر // على ضيمها واللي يجي من صقوعها
15) أقمت بها ما نلت فيها تجاره // وخير الليالي نومتي في ربوعها
16) شفاتي بها قولي للاجناب سلّفوا // وعيراتهم ما فِكّ عنها شنوعها
17) إلى جفنةٍ من مَدّ ربي عبيتها // لكن حياض المال بالما شروعها
18) مقابلة درب الشمالي وقبله // وريح الصبا واللي جنوبٍ جزوعها
19) واقرا بها الخطّار في زمن القسا // إلي ما حكر زاد القرايا زِلوعها
20) فليت موازين الرجال رفيعه // على الحق يعرف من جذى عن نفوعها
21) فدع ذا وياغادي على عيدهيه // جماليةٍ يطوى الزيازي هبوعها
22) وصبّحت أو ماسيت منا جماعه // كْرام اللحا رَدّ النقا ما يروعها
23) من اولاد بدرٍ شمعة البدو والقرى // إلي شب من نار المعادي شموعها
24) فأقرِهم التسليم لي وانت موقف // وشمس الضحى ما بان منها طلوعها
25) واختصّ حمّادٍ منى هاشل الشتا // إلى غار من نَوّ الثريا لموعها
26) وحامي قصار الشِبِر عن ذارع القنا // إلى ليّنوا من جرد الايدي صروعها
27) وقل له كبدي من زمانٍ وجيعه // والاذنين مني قد خلَوا من سموعها
28) وقل له راس العود مني قد انحنى // وياسالم الجارات عما يروعها
29) وقل له شرار الشوف ياكاسب الثنا // . . . . . . . . . . . . . . . .
30) وبلغ سلامي بو حسينٍ ومن له // يمينٍ ترى زين المعاني طلوعها
31) فليت الصبا يابو حسينٍ جلوبه // ونشريه باموال الغلا من هزوعها
32) وليته مجلوبٍ ونشريه بالغلا // بما حاشت ايدينا وغالي سروعها
33) رعى الله أيام الصبا لو يرمن لي // فهي من هوى روحي وهي من طموعها
34) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما لعى القمري بعالي فروعها
وهذا رد عبدالله بن زيزير على الجميلي الذي يسميه غانم في البيت العاشر:
01) أيامن لورقا تالي الليل روجعت // بجبّارةٍ فيما على من فروعها
02) تغنّي بصوتٍ لا درى عن مصيبه // أو البين شاظه لامها عن ربوعها
03) فذارت عن عيني كرى النوم مثلما // تذير من عين الجوازي رتوعها
04) فقلت لها ان كنتي تغنيّن طربه // فلا بد عيناك ان تجارى دموعها
05) فإن كان غاضك فايتٍ فات ما انثنى // إلى حيث ما يدعي البرايا رجوعها
06) مضى ذا وياغادي على عيدهيه // جماليةٍ كثر السرى ما يصوعها
07) عليها ابن حيزان الهتيمي مهذّب // منقّله امثالٍ طريفٍ سموعها
08) تنوفتها يومٍ وتلقى جماعه // جميليّةٍ رد النقا ما يروعها
09) حموا فرعة الهدّار بالسيف والقنا // وشمٍّ شغاميمٍ تغارا طلوعها
10) فاختص غنّامٍ منى هاشل الخلا // إلى سَنَةٍ قل الجدا من رموعها
11) ومنوة خطارٍ لفوا عقب هجمه // مقاديمها تشكي حفاها وجوعها
12) يرحّب بهم بتحيّةٍ ثم ينثني // ينبّه بيضاً بالعشا في سروعها
13) ويثني لهم بتحيةٍ ولباقه // ونفس الفتى تعتاد ما في طبوعها
14) وقل له شكواه الذي دَزّ صوبنا // إلى الله شكوى ما قصى من صروعها
15) شكا قبلك الزعبي ذياب بن غانم // مطفي من نار المعادي طلوعها
16) مقدّم غلبا من هلال بن عامر // منكت من ارقاب المعادي دروعها
17) شكى قل سمعٍ والضروس تناصلت // وعينيه ما له من قداها دموعها
18) وزهدت فيه البيض ثم تْرِكَنّه // وهو كان ستر البيض عمّا يروعها
19) وقبلك شكا ريف المقلّين أجود // مقدّم اسلافٍ كبارٍ جموعها
20) فمن عاش بالدنيا ولو بسطت له // فلا بد ما يشكى الردى من قطوعها
21) فليت الصبا يابا حسينٍ جلوبه // بسوق الغلا يحكم علينا بيوعها
22) ونشريه بارقاب الزناجا وسِبّق // وباموالنا واللي بقى من خلوعها
23) ولكن ما قد فات ما عاد ينثني // إلى حيث ينصب للبرايا شروعها
24) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ تلالا لموعها
25) صلاةٍ وتسليمٍ وأزكى تحيه // من الله ما أذّن لشمسٍ طلوعها
0 التعليقات:
إرسال تعليق