سيرة الشيخ إبراهيم بن محمد المحيميد ~ مدونة الخوالـــــــد

سيرة الشيخ إبراهيم بن محمد المحيميد


بسم الله الرحمن الرحيم
 
هو الشيخ / إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إبراهيم بن عثمان المحيميد ، من قبيلة بني خالد المخزومية القرشية ، ولد في بلدة البُصُر بالقصيم في حدود عام 1345 هـ، توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً ، وكان منذ ولادته ضعيف البصر لايكاد يدرك طريقه ، فاجتمع عليه اليتم وضعف البصر مما جعل والدته قلقة على مستقبله كثيراً ، وكانت توصي إخوانه للاهتمام به ، لكن الله تعالى عوضه بحافظة قوية ، وذاكرة حاضرة ، وفهم سريع دقيق .. ففاق إخوانه وكثيراً من أقرانه ، فقد كان في صباه يحفظ خطبة الجمعة مباشرة من فيء الخطيب ثم يلقيها على أهله إذا رجع لا يكاد يخرم منها حرفاً ، انتقل في شبابه إلى الرياض للبحث عن لقمة العيش من خلال الأعمال الحرفية ، فتعرف عليه أحد الأخيار ولمس منه موهبة الحفظ والفهم فأشار عليه في طلب العلم ، فأخذ برأيه والتحق بعدد من الحلق بالإضافة إلى تولى الإمامة في الصلاة لدى بعض الأمراء ، وما لبث أن كف بصره نهائياً بعد عملية غير موفقة أجراها في لبنان لتقوية بصره فعوضه الله تبارك وتعالى عن ذلك بصيرة في الدّين، ثم انتقل إلى الطائف للالتحاق بدار التوحيد وكان وصوله إلى هناك بعد انتهاء القبول وكاد أن يرجع إلا أن الله بمنه وكرمه يسر له الأمر ؛ فبعد أخذ ورد بينه وبين مدير الدار لإقناعه بعدم إمكانية قبوله .. كان مما اعتذر به مدير الدار أن القبول يتوقف على امتحان وهذا يتحاج إلى استعداد مسبق !! ، ففاجأه بأنه مستعد لأي امتحان !! ، فعرض عليه المدير عدداً من الأسئلة في مختلف الفنون العلمية ففوجيء المدير بسرعة إجابته ودقتها ، ولمس منه الذكاء وقوة الحافظة، فاعتذر له وسهّل قبوله وأصى به أساتذته ، وكان ذلك في سنة 1371 هـ، وكان في أثناء دراسته مثالاً للطالب الجاد المتميز يقول عنه أحد زملائه في الدار وهو الشيخ / عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف من أهالي حريملاء – في مقال يرثيه فيه نشرته جريدة الجزيرة في عددها( 11730) وتأريخ 26/9/1425 هـ تحت عنوان ما أصعب فراق الأحبة - :
( .. وكان – رحمه الله – يتمتع بالهدوء ودماثة الخلق ورحابة الصدر ، وكان ثبت الجنان حينما يطلب منه المعلم القيام والتحدث في موضوع إنشائي أو إعادة شرح الأستاذ ، وكنا نغبطه على قوة ملكته ، وطول ترسله في الحديث بعبارات سهله منتقاة ، فهو محترم لدى معلميه ، ومحبوب لدينا معشر الطلاب ؛ لما يتحلى به من صفات حميدة قل أن تتوفر في لدّاته وأقرانه ؛ فهو مطبوع على الاستقامة ولين الجانب منذ فجر حياته ، ومنذ عرفناه في الطائف وهو ذو خلق كريم ؛ يحضنا دائما على أداء الصلوات في أوقاتها ، واحترم المعلمين ، وحسن اختيار الأصدقاء الأخيار ، ومذاكرة الدروس أول بأول ..إلخ) إهـ 

وبعد تخرجه من دار التوحيد انتقل إلى الرياض والتحق بالمعهد العلمي ، وبعده التحق في كلية الشريعة بالرياض وتخرج منها سنة 1379 هـ وكان ترتيبه التاسع من بين واحد وثمانين طالباً ، ، وقد تتلمذ على أيدي علماء كبار في دار التوحيد والمعهد العلمي ثم في الكلية أمثال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، وعدد من علماء الأزهر أمثال الشيخ د. عبد المنعم النمر ، والشيخ د. عبد الرحمن النجار وغيرهم كثير – رحمهم الله ، وكان في أثناء دراسته يتردد على دروس كبار العلماء في مساجد الرياض ؛ أمثال الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، والشيخ عبد اللطيف آل الشيخ – رحمهما الله – والموجودين من العلماء في زمنه .. 

وبعد تخرجه مباشرة عين مدرساً في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في الرياض التي يرأسها الشيخ / محمد بن سنان – رحمه الله - ، ثم ما لبث أن اختاره مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة في زمنه الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – للعمل في القضاء حين أصدر قراراً بتعيينه قاضياً في محكمة حوطة بني تميم وذلك في سنة 1380هـ، ثم نقل إلى قضاء مدينة تربة بالطائف ، غير أنه لم يأنس لهذا العمل فطلب الإعفاء من القضاء فاستجيب لطلبه ، ومن ثم اتجه للتعليم فعاد إلى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في الرياض ، ثم انتقل إلى بلدته البصر في عام 1386هـ وعمل معلماً في مدرستها ، ومرجعاً لطلبة العلم والأهالي في هذه البلدة وما حولها حيث يتوافد عليه الطلبة يقرؤن عليه في مختلف الفنون ؛ إذ كان يجلس لهم بشكل يومي بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس ، كما انتفع به الأهالي انتفاعاً عظيما فقد كان نعم المرشد لهم من خلال كلماته ومواعظه في مساجد البلدة والبلدان المجاورة لها ، ومن خلال الفتاوى والتوجيهات لما يعرض عليه من المسائل والمشكلات ، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان يتنقل في كل جمعة بين قرى وهجر المنطقة لإلقاء خطبة الجمعة فيها ووعظ وإرشاد أهلها، ثم عرض عليه القضاء في مدينة عيون الجواء في القصيم فاستجاب لذلك وكان ذلك في عام 1397هـ ، وضل فيها حتى أحيل على التقاعد في عام 1416 هـ، وكان مثالا للعدل والصرامة في الحق ، ونموذجاً فريداً في الورع والنزاهة ويكفي أنه طيلة السنين التي مكثها في قضاء تلك المدينة لم يلج بيتاً من بيوتها في دعوة خاصة ؛ رغم ما يتصف به الأهالي هناك من الكرم وحسن الضيافة ورغم كثرة إلحاحهم عليه لمحبتهم له ؛ حيث كان متواصلاً معهم يتفقد أحوال المحتاجين منهم ويزور مرضاهم ، ويعزيهم في مصابهم .. 

ومن صفاته الخَلْقية والخُلُقية :
كان طويلاً بعيد ما بين المنكبين ، قوى البنية ، أبيض اللون مشرباً بحمرة ذا صوت جهوري جميل لا تمل قراءته، وكان قوي الشخصية ، صارماً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم . تزوج عدداً من النساء بقي معه في آخر حياته ثلاث منها ، وخلف من الأولاد أربعة عشر ابناً وخمسة عشر بنتاً .

علمه : 
كان جاداً في طلب العلم محافظاً على وقته فتحقق له من العلم الشيء الكثير رغم تأخره في الطلب ؛ ساعده على ذلك حافظة قوية وفهما حاضراً وفطنة سريعة ، فحفظ القرآن الكريم في مدة وجيزة ، ثم حفظ عدداً من المتون العلمية في مختلف الفنون فمن محفوظاته : كتاب التوحيد ، والأصول الثلاثة ، وكشف الشبهات ، والعقيدة الواسطية ،و زاد المستقنع في الفقه ، والرحبية في الفرائض ، والآجرومية ، وإلفية ابن عقيل في النحو وغيرها ، وكان مبرّزاً في الفقه والنحو .

سيرته اليومية : 
كانت حياته حافلة بالجد والنشاط ؛ يستفتح يومه بعد صلاة الصبح بالذكر والتسبيح وتلاوة القرآن حتى تطلع الشمس ثم يصلي ما شاء الله له أن يصلى بعد ارتفاعها ، ثم يتناول وجبة فطوره ويتجه إلى عمله الرسمي ، وبعد العودة يتناول غداءه ثم يقيل ، وبعد صلاة العصر يجلس في المسجد للطلاب والمستفتين إلى غروب الشمس ، وبعد المغرب يجلس مع أهله وأولاده ، وربما جلس للطلاب ، وبعد صلاة العشاء يتناول عشاءه ثم يخلد إلى النوم ، وكان يحرص على النوم مبكراً يستعين بذلك على قيام الليل الذي لم يعرف عنه أنه تركه في يوم ما ، وكان ملازماً لتلاوة كتاب الله الكريم حيث لا يفتر عنه لا في قيامه ولا قعوده بل ولا في مشيه ؛ حتى إنه كان يختم في الأيام العادية كل ثلاثة أيام وربما ضاعف ذلك في الأيام الفاضلة .

وقد تتلمذ على يديه عدد من طلبة العلم منهم :
- الشيخ / د. صالح بن عبد الرحمن المحيميد رئيس محاكم المدينة المنورة .
- الشيخ / د. محمد بن عبد الله المحيميد إمام جامع البصر وعضو هيئة التدريس في قسم الفقه في جامعة القصيم .
- الشيخ / عبد الله بن ناصر البرادي إمام جامع البصر سابقاً- رحمه الله .
- الشيخ / محمد بن حمد السديري إمام جامع البصر سابقاً- رحمه الله
- الشيخ / حمد بن عبد الكريم بن علي المحيميد إمام المسجد الداخلي بالبصر
- الشيخ / خالد بن محمد بن عبد الله المحيميد عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام في بريدة 
- الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله المحيميد الأستاذ في الكلية التقنية في بريدة وغيرهم كثير ..

وفاته : 
كان يعاوده المرض بين الفينة والأخرى في أواخر حياته - وكان صبوراً متجلداً لا يعلم عُواده ما فيه رغم شدة ما يعانيه - حتى جعله قعيد الفراش وأعجزه عن القيام ، ومنعه من الذهاب إلى المسجد ، وإذا نشط قليلاً نقل إلى المسجد على عربة وصلي قاعداً ، ثم زاد عليه المرض فأصبح يُنوم في المستشفى بين آونة وأخرى ، ولما قربت منيته نقل إلى الرياض بعد أن تبين أنه مصاب بالمرض الخبيث ( السرطان ) الذي ابتلى به كثير من العلماء في هذا الزمن ، وكان ذلك في رمضان سنة 1425 هـ، وفي يوم الإربعاء الموافق للرابع عشر من هذا الشهر الكريم أسلم الروح لباريها ؛ ثم نقل إلى القصيم وصلي عليه بعد صلاة الظهر من يوم الخميس في جامع بلدته البصر ودفن في مقبرة البلدة وحضر جنازته حشد كبير من محبيه ضاق بهم المسجد رغم سعته . فرحم الله الشيخ الفقيد رحمة واسعة وأسكنه في فردوسه الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . والحمد لله رب العالمين .

منقول من الكاتب: جهاد بن محمد بن عبدالله . 

0 التعليقات: