ذكرى بعض الأحداث لا يدل على معاصرته لها
صورة:بقايا منزل حميدان الشويعر |
نأتي إلى قصائد أخرى لنقارن بين ما تحمله من أفكار وما في الواقع التاريخي من أحداث يمكن أن تكون شمعة تضيء الدرب التاريخي لمسيرة الشاعر حميدان الشويعر.
فقصيدته التي قال فيها: الأيام حبلى والأمور عوان *** فهل ترى ما لا يكون وكان
ختمها بقوله:
مهيضه ربط الكريم بن زامل *** سنا الوشم راعي دثرة وجفان
وعبدالكريم بن زامل إذا كان هو المقصود ولا أعتقد أنه غيره فهو في تاريخ 8611ه حيث أسر وقد استخدم حميدان الشويعر لفظة (الكريم) على غير عادته حيث من عادته وعادة الشعراء في زمنه أن يقول: (السخي) فهو إذاً يقصد اللفظة بمعناها ودلالتها أيضاً للشخص.
ويبدو أن أهل أثيقية يتلقون وصية من حميدان الشويعر بعدما غادر أثيقية إلى مكان آخر وليس في القصيدة ما يدل على أنها مرسلة من القصب وهي وصية أخرى غير الوصية الأولى التي أوصاهم بها وبانت صداقته لهم بعد أن انتصروا وصار لهم شوكة فهو يقول:
ترى لكم ضد بالأوطان مكنع *** أحرص من اللي يرقبون جفان
وهذا دليل على أنهم غافلون عن ذلك الضد الذي لم يتبين لهم ويعتقدون أنه غير موجود. أما خصمهم الأول فقد كان ظاهراً للعيان ولا يحتاجون معه لمزيد إيضاح.
وإذا جئنا لبداية وجود العزاعيز فهو عام 6111ه في أثيقية حيث ملكوها.
وإذا بحثنا عن معركة فاصلة مع أقرب بلد لها سيطرة ونفوذ وجدناها عام 9111ه، بعدما هدأت الأوضاع والصراعات نسبياً.
وها هو يقول:
حفرنا بها بير القضا عقب ما غد ا*** على مدا طول الزمان دفان
وهذا يثبت وجود فترة طويلة من الزمن فاصلة بين هذه الأحداث ووصيته. وأنها وصية أخرى غير الأولى التي حرضهم فيها على القوة والانتصار على البلدة المجاورة لهم. ويقول في نهاية القصيدة:
حضرت لهم في عفجة القور وقعة***بها الطرحى شروى الهشيم توانّ
ويقول أيضاً في نفس القصيدة:
ألا يا رجال من تميم تفقهوا *** وصية من هو بالصداقة بان
وهذا يدل على أن بينه وبينهم وصية سابقة هي التي سببت قوة أثيقية وأنها بعد تاريخ 6111ه حتماً وبعده بزمن عانت فيه البلد من مشكلة ما. ويخبرهم أن التجربة السابقة بينت صداقته لهم وإخلاصه فهو يوصيهم الآن وهو مطمئن على علاقته معهم وسمعته الطيبة بينهم.
فإذا كانت كل الأبيات قصيدة واحدة فإن هناك وصية من حميدان الشويعر للعزاعيز متأخرة جداً عن الوصية الأولى.
وإن كانتا قصيدتين بقافية متشابهة أدت إلى ضمهما مع بعضها من قبل الرواة فإن اللبس ينتفي. ويكون آخرها قصيدة مستقلة تبدأ بالبيت التالي:
لنا ديرة عنها الطعاميس مجنبة***بيان صفق للحريب عيان
.. إلى آخر القصيدة. بحيث ينفصل الحدث الذي في عام 8611ه ويكون الشاعر قد وصل إلى هذا التاريخ حي يرزق.
أما ذكر حميدان الشويعر لحديث إخراج أبناء عثمان بن نحيط لوالدهم من بلدة الحصون عام 1111ه فلا يدل على معاصرته للحدث ولا يؤخذ دليل منه على تلك المعاصرة إلا من البيت التالي:
ما يرد الحذر عن سهوم القدر***والشويعر حميدان ياما أنذره
لأنه أثبت هنا أن مخاطبته لعثمان بن نحيط وإنذاره وتحذيره من الخصم.
أما ذكر الحدث نفسه فلا يدل بأي حال من الأحوال على المعاصرة فقد ذكر مسيلمة الكذاب وكسرى من الأخبار التي يسمع بها وذكر صنعاء ونزوى، وسنجرة، وليس بالضرورة رؤيتها ولكن من ثقافته.
وما دام حميدان الشويعر عاصر هذا في عام 1111ه وعاصر حدثاً آخر في عام 8511ه أو قبله بقليل وعاصر حدثاً أيضاً في عام 7511ه وهو ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فإنه يكون قد عاصر كل الشخصيات التي عاشت في هذه الفترات سواء علم بها أو لم يعلم وسواء جاءنا ذكر لها في شعر حميدان أو لم يرد شيء منها كما أنه ذكر عبدالكريم بن زامل 8611ه وهذه المعلومة تثبت تجاوزه أيضاً لهذا التاريخ فلو توفي قبلها ما ذكرها.
ويمكننا الاستفادة من قصيدته الهمزية بتحليل ما ورد فيها من كلمات ووضع الاحتمالات الممكنة في ضوء ما سبق، وأنه بلغ المشيب.
فأول القصيدة ذكر فيه أن الشيب قد لاح في عرضائه، وجوانب رأسه وأيقن أنه دخل مرحلة غير مرحلة الصبا، فهو يقول:
لاح المشيب وبان في عرضائي***ونعيت من بعد المشيب صبائي
الأول:
هو ذا طمع فيّه فهاك دراهم *** وإن كان بغض ما لقيت دوائي
والثاني: قلّتء دنانيري وعدت بهمة***جزت حبالي عن ورود المائي
فالبيت الأول يدل على أنه يملك المال، والبيت الثاني يدل على فقره. ولكنه جاء في البيت الأول بتعبير الدراهم والثاني جاء بتعبير الدنانير وهذا فيه فائدة عناها الشاعر وهي أنه يملك مالاً لكنه لا يكفيه كفاية غنى وثروة أو يُعدُّ معه تاجراً. وهذه الحالة تجعله رفيع النفس إن مُنع العطاء من ابن نحيط كما تسمح له وتخوله لأن يطلب منه.
حيث يقول: يا ابن نحيط الله لي من عيله***خليتهم في الوشم في رجوائي
ويبدو أنه في مكان غير القصب ولا يستبعد أن يكون في شقراء (الوشم) أو مكان قريب منها. فقد أشار إلى أنه ترك مزرعته منذ عام، حيث قال:
العام أنا لي كدة ماشومة *** هبّت عليها الجانح اليمنائي
وعندما وجه راحلته ناحية ابن نحيط أعطانا خط السير يبدأ من شرق شقراء ثم النفوذ (النقاء) ثم جهة محمية من بوارح الجوزاء فهو يقول:
سَكّنءت (قصور الوشم)، (شرقي النقا) *** ما لا وذت من بارح الجوزائي ومعنى (سكنت) أي وجهت ويممت والسكان في السفينة هو ما يسكنها على الاتجاه المرغوب وهو في السيارة الآن (المقود) ويكمل وصف الطريق فيقول:
يممتها ابن نحيط كساب الثنا***ورث الشيوخ من أول الدنيائي
ولد الحديثي والذي من لابة***ترثة تميم وفروعه العليائي
والمقصود ابن نحيط المتأخر عنهم وليس القديم لأنه قال (ورث الشيوخ) ولأنه قال (ولد الحديثي) ولأنه قال (ترثة) أي سلالة ولأن حميدان الشويعر بدأه المشيب.
والحديث عن حميدان الشويعر يطول والتضارب في الآراء والروايات كثيرة والميدان حوله مفتوح لا يشبع من الدراسات والبحث، وقصائد الشاعر متداخلة من حيث التاريخ وبسبب خلط الرواة لها، فهم لا يهتمون بالفصل بين أبيات قصائده بقدر اهتمامهم بمعانيها، لهذا على المؤرخ أن يتفقد الكلمات قبل الأبيات، والأبيات قبل القصائد.
أرجو أن أكون قد وقفت في وضع ولو بعض المعلومات البسيطة في طريق بحث طويل حول الشاعر حميدان الشويعر.
نقلة كما هو على المحيميد من صحيفة الرياض اليومية الكترونية على هذا الرابــــــــــــــــــــــــط
0 التعليقات:
إرسال تعليق