هذرولوجيا
سليمان الفليح:
أهداني الصديق الشاعر إبراهيم الخالدي آخر مؤلفاته الجميلة والموسوم بـ(الجامع المختصر للألقاب والعزاوي عند البدو والحضر).
وهذا الكتاب الرائع في مضمونه وأسلوبه وطريقة بحثه يأتي كحلقة ذهبية في سلسلة إصدارات صديقنا الخالدي الرائعة التي تشي بالاهتمام والتقصي والتوثيق لجزء هام من تراثنا الشعبي العريق، كما يتميز هذا الكتاب بالطرافة والتفرد إذا استثنينا كتاب صديقنا الآخر أحمد العريفي الذي تناول الألقاب في مؤلفين وإن كان لم يتطرق (للعزاوي) والتي تعتبر هي الطرافة في هذا البحث الفريد، صحيح أن إبراهيم الخالدي قد بدأ شاعراً حديثاً وصحفياً مبدعاً ولكنه انصرف من حيث لا يشعر إلى جديّة البحث والدراسة والتوثيق، فقد أصدر قبلاً عدا ديوانيه (دعوة عشق للأنثى الآخيرة) و(عاد من حيث جاء) والمستطرف النبطي الذي يحتوي على (الشعر الخاص) أو بالأحرى (الشعر الحلمنتيشي) الذي يتداوله العامة والذي يتسم بالطرافة والسخرية والدعابات النادرة التي تحدث بين الأحبة والشعراء، أقول أنه بخلاف المستطرف قد أصدر عدة دواوين للشعراء الفرسان أمثال (مشعان بن هذال، محسن الهزاني، عبيد العلي الرشيد، تركي بن حميد) ونشر دراسة عن (طواريق) وأوزان الشعر النبطي كما حقق (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق) لعبدالله البسام، هذا عدا عن كتابين هما حديث الصحراء وحقيقة الزير، إلا أن هذا الكتاب (العزاوي والألقاب) يعدّ برأيي كتاباً طرفياً وذلك لما يحويه من ألقاب كنا نردها دون أن نعرف دلالتها وكذلك (عزاو) قد اندثرت ولم نعد نسمع بها اليوم كـ(أخو فلانة) أو (راعي الفلانة) والتي تعني تاريخاً مجيداً للأسر والقبائل في الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام لا سيما منها ما يتعلق (بالمكارم والأخلاق) - وإن كنا لا ننفي كلياً ما كان يتعلق بالبطولة الفردية في ذلك الزمن الغابر إلاّ أن ذلك لا يمنعنا من فهم الواقع الاجتماعي في ذلك الزمان لنأخذ منه ما يفيد ونترك منه ما لا يفيد فمثلاً من جانب المكارم والإنسانيات نأخذ هذا اللقب (المشهد) فها هو يتناول في الصفحة (216) حكاية (معشي الشجر): أي الرجل الذي قدم العشاء للأشجار!! إذ يقول: (ومعشّي الشجر: لقب لمحمد بن حسين الشريف من أهالي الحريق وكان قد رأى (أزوالاً) من بعيد تتحرك في يوم عاصف مغبر تنعدم فيه الرؤية فحسبهم ضيوفاً وأمر أهله بذبح شاتين طعاماً لهم وعندما عرف الحقيقة بعد انتهاء العاصفة دعا جيرانه وعشاهم وقال أحد جيرانه مادحاً:
(ألا يا محمد بن حسين عشيت الشجر والجار*** تحسب أن الشجر ضيفان يللي تكرم العاني)
وأيضاً هذا لقب لناصر بن راشد السويد من السلقا من عنزه الملقب بـ(حريب الردى)..
أما (معشي الطرفا) فهو لقب لمناحي الحرز من بني خالد وكان قد رأى أشجار الطرف فظنها جاراً جديداً نزل عليه فأمر بتجهيز الطعام ولما تبينت له الحقيقة أمر بترك الطعام في مكان الطرفا!!
@ أما (معشي العوشز): فهو إبراهيم بن عبدالله بن بسام من أهل البرود غربي نجد وكان مشهوراً بالكرم فلما كبر وضعف بصره صار إذا شاهد أشجار العوسج يأمر أهله بتجهيز الطعام ظاناً أن ما رآه ضيوفاً قادمين إليه. وهو لقب لسعد الخبيش القباني السهلي لنفس السبب ولحسين بن علي الرومي من وجهاء الكويت..
@ أما معشي الذيب: فهو لقب للشيخ فرحان بن سعيّد شيخ الدُغيرات من شمر وكان قد سمع ذئباً يعوي بصوت مرتفع فقيل له إن الذئب جائع والكلاب تطرده عن الغنم فهو يرفع صوته لكي تسمعه بقية الذئاب لتعاونه على الكلاب، وعندئذ قام ابن سعيّد بربط شاة قرب الذئب كعشاء له. ويُقال أيضاً أن معشي الذيب هو جده مكازي السعيّد الذي قال فيه أحد الشعراء:
(جده مكازي أشبع الذيب سرحان***وعقّب لشمر كل علمٍ وكادي)
واللقب أيضاً للشيخ محمد بن سعد بن شعيفان من شيوخ العزّة من قبيلة سبيع.
ونكمل فيما بعد.
المصدر جريـــدة الرياض
0 التعليقات:
إرسال تعليق